الحديث عن سخونة الشارع في وقت الثورات ليس غريبا علي الإطلاق وذلك بفعل التفاعل الجماهيري واحتدام وجهات النظر إزاء العديد من القضايا والملفات المطروحة, ولكن ما يحدث في الشارع المصري يختلف في جوهره عما نتحدث عنه. ففي ميدان التحرير وعلي امتداد أيام الثورة الأولي لم تكن هناك سخونة بالمعني الذي تشير إليه, فالقضايا محسومة والمطالب محددة والمواقف نهائية لا رجعة فيها وجاءت الإثارة والأحداث الدرامية فقط جراء إستخدام القوة والعنف وقتل المنظاهرين السلميين مما أثار حفيظة بقية المصريين ودفعهم للنزول إلي الميادين والشوارع بالملايين مما حسم الأمر وسقط نظام مبارك. مناسبة هذا الحديث هو ما يجري الان من أحداث مشابهة وسخونة متعمدة لا أساس ولا مبرر لها, فالانتخابات الرئاسية جرت في أجواء شفافة ونزيهة لا يملك أحد الطعن عليها باستثناء بعض الخروقات البسيطة التي لا تمس جوهر العملية الانتخابية وسلامتها. وكنا نتصور ان ينتهي هذا العرس الديمقراطي بالنهاية السعيدة المتمثلة في تسمية أول رئيس جمهورية منتخب بعد الثورة, فإذا بنا أمام حالة من الارتباك وتبادل الاتهامات بين حملات المرشحين وإذا بالمصريين يمضون ليالي وساعات طويلة في حيرة من أمرهم وسط ملفات أخري جري فتحها في توقيت واحد أهمها إصدار الإعلان الدستوري المكمل, واستكمال تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور, بالإضافة بطبيعة الحال إلي توابع وتداعيات قرار حل مجلس الشعب, الذي يصعب فهم أبعاده وأسبابه لدي المواطن العادي الذي وقف ساعات طويلة لاختيار نوابه فإذا به يفاجأ أنه ساعات طويلة لاختيار نوابه فإذا من أجل الثلث ينتهي الأمر لإلغاء الكل. المشهد بكامله يعيدنا إلي السؤال حول سخونة الشارع والمدي الذي يمكن أن تبلغه تلك السخونة, قبل أن تصل إلي مرحلة الانفجار, إن كان مطلوبا ومقصودا! لقد تحمل المواطن المصري ثمنا باهظا لثورته ليس فقط في عدد الشهداء والمصابين وإنا في ثمن آخر يدفعه من قوت يومه ومن حاضره ومن مستقبله.