في برنامج عندما يأتي المساء علي قناة التحرير قالت الكاتبة الروائية مي التلمساني في حديثها عن الدولة المدنية.. انها شخصيا محسوبة علي اليسار كما قالت ضيفة اخري استاذة جامعية ان الدول العلمانية في الغرب تعترف في دساتيرها بانتمائها للدين.. وكانت كلتا الضيفتين تدافع عن أهمية الدولة المدنية.. وهنا تثار قضية مهمة وهي الي من يوجه هذا الحديث ؟ بلاشك ان الفرد المثقف ولو ثقافة متوسطة يدرك الفرق بين مصطلحي اليسار والعلمانية وغيرهما ولكن في بلد تصل فيه الامية الي درجات عالية يجب الحديث بحساب مع مراعاة الي من يوجه الحديث او كما يقال عامل الناس علي قدر عقولهم.. إذ لايزال الأكثرية من الشعب المصري يربطون بين اليسار والشيوعية حيث يرونهما في سلة واحدة في حين ان المتحدثة لو قالت لفظة التقدم بدلا من اليسار لبسطت الامر وأزالت الالتباس كذلك كلمة العلمانية الموصومة لدي الناس بأنها الكفر نفسه بينما لوقالت الفصل بين الدين والدولة دون ان تلغي ايهما لكان المعني ابسط وأسهل.. أقول هذا لأن التيارات الدينية المتسلطة حاليا علي المجتمع المصري تعتمد في دعايتها لنفسها ولمرشحيها علي تشويه مفهوم الدولة المدنية وبالتالي الداعين لقيام تلك الدولة في حين ان جميع دول العالم امامنا.. المتقدمة والمستنيرة والمتحفرة هي دول مدينة.. بينما الدول ذات الحكم الديني.. ولدينا امثله لها سواء في افريقيا او آسيا هي دول تفتقد الحرية وربما العدل ايضا. لقد عاشت مصر دولة مدنية منذ ايام الفراعنة ولم يصبها الضعف في العصر الحديث الا حين خضعت للدولة العثمانية التي افرغتها من علمائها المبدعين وصناعها وشحنتهم الي الاستانة لحسابها الخاص وأوصلت الآداب والفنون الي الدرك الاسفل, الي ان زالت تلك الامبراطورية المريضة. ان الدولة المدنية هي الدولة التي يعيش فيها الجميع احرارا متساوين امام القانون لهم جميعا حق المواطنة دون تفرقة بين جنس اودين او نوع.. الدين لله.. والوطن للجميع.. ونحن نعرف انه لا يوجد في الاسلام مايسمي بالدولة الدينية. انما المسألة هي الصراع علي السلطة ونحن نعرف ماحدث بعد مقتل سيدنا علي واستيلاء الامويين علي الحكم! * قد يكون المصريون جميعا لديهم بطانة دينية مستقرة منذ القدم.. لكن لديهم ايضا ذوقهم الخاص الذي امكن له ان يحول المناسبات الدينية الي شكل حياتي فني يتناسب مع ذوقه واحساسه بالحياة.. واعتقد ان مصر ستختار رئيسها هذه المرة بذوقها الخاص لا بما يملي عليها من دعاية وغسيل مخ! [email protected]