كالعادة, اختلف القراء في الاستجابة إلي ما قلت عن الدولة المدنية وكيفية حمايتها, فكتب الكثير منهم مؤكدين أن الأهم من حماية الدولة المدنية بالتشريعات, حمايتها بتأكيد ثقافتها في وعي المواطنين أولا, فالتشريعات نصوص يمكن أن تفقد فاعليتها في واقع فعلي هو نقيض لها. ولهذا يؤكد الدكتور منصور حسن عبد الرحمن أن الفقر كالفساد أعدي أعداء الدولة المدنية, مستشهدا بالمثل الذي يقول: إذا ذهب الفقر إلي بلد قال للكفر خذني معك. أما شعبان عبد الرحيم فيؤكد أنه لابد من تقوية الدولة المدنية, وذلك بتفعيل التشريعات القائمة, خصوصا النصوص الدستورية المتعلقة بالمساواة, وحرية العقيدة, وإخضاع مسائل الزواج والطلاق لتشريع مدني موحد لا يعرف التمييز بين المواطنين علي أساس الدين, مع احترام القواعد المتفقة بين الأديان كافة, وكلها تتعلق بالمساواة والعدالة, وأن حماية المعتقدات لا معني لها إلا باحترامها جميعا, وبما لا يؤدي إلي أية تفرقة بين المواطنين فيما يتعلق بالحقوق والواجبات العامة. أما القارئ الذي اختار أن يعرف نفسه بأنه مصري علماني فيذهب إلي أن معظم المتعصبين يجهلون معني العلمانية, وأنها ليست ضد الدين, فلا توجد دولة علمانية تمنع دور العبادة أو تمنع ممارستها, والدين هو علاقة بين الإنسان وربه, ولا دخل لإنسان آخر بهذه العلاقة, فالله وحده الذي يحاسب البشر, والله يحب العدل لأنه عادل, وحتي لو كان الإنسان مخطئا فهو مسؤول أمام ربه, وليس أمام إنسان آخر مثله, والله منحنا العقل لكي نفكر ونبدع ونتطور, وأن نختار ونصنع القوانين والظروف الملائمة للحياة. ولذلك لابد من المساواة بين المواطنين بوصفهم مواطنين بغض النظر عن عقائدهم, وعدم التمييز, وتحفيز الجميع علي إعطاء أفضل ما عندهم من أجل الوطن. وليس عندي اعتراض علي هذا الكلام, بل إضافة أن العلمانية, بفتح العين, تعني النزعة المرتبطة بالدنيا, فالعلم( بفتح العين وسكون اللام) هو الدنيا, وذلك بما يختلف عن العلمانية( بكسر العين) المنسوبة إلي العلم, وأنا أفضل استخدام مصطلح النزعة المدنية( نسبة إلي الدولة المدنية) بوصفها نقيضا للنزعة الداعية إلي الدولة الدينية التي سبقت أن تحدثت عن مخاطرها في هذه الجريدة. وقد أسعدني ما قرأته للدكتور أحمد كمال أبو المجد( في2010/8/13 من الأهرام) مؤكدا أن الإسلام لا يعترف بحزب ديني, والصحابة لم يأتوا بحكومة دينية, أردنا أو لم نرد. ومن الطبيعي أن تكون مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر تشريع, ولكن بما لا يمنع من وجود مصادر متممة لها. وهذا كلام معناه أنه لا فقه إسلامي كاملا علي نحو مطلق. ومثال ذلك الشافعي الذي قام بتعديل فقهه عندما جاء إلي مصر, فالفقه وسيلة لتحقيق غايات, وإذا ظهرت وسيلة أكفأ وأكثر قدرة علي تحقيق تلك الغايات فهي أولي بالاتباع عقلا ومنطقا ودينا. وقريب من ذلك ما يذهب إليه الدكتور محمد العسال, مؤكدا أن تركيا مثلا دولة إسلامية, تطورت وتقدمت مع العصر علي أسس مدنية, والدين الإسلامي فيها أكثر أصالة من بعض الدول التي تسيطر علي عقول مواطنيها مؤسسات وجماعات الإسلام السياسي التي تستغل العاطفة الدينية للسيطرة علي عقول العامة وإقناعهم بأن الدولة المدنية والعلمانية ضد الإسلام, وأنها ستلغي الدين من حياتهم وتلغي مظاهره, وهذا هراء, لأن الحضارة الإسلامية منذ مجتمع المدينة حتي الخلافة العثمانية كانت معظمها مدنية, سواء في قوانينها وسلطاتها, وبنيت نهضة مصر منذ محمد علي علي أسس علمانية عقلية قادها علماء أزهريون ساندوا الحكم المدني وعززوه. والدولة المدنية تسحب السجادة من تحت أقدام محترفي الإسلام السياسي الذين لا هم لهم إلا الوصول إلي الحكم للتحكم في رقاب العباد بأفكارهم المطلقة التي لا تخضع لمحاسبة ولا مسئولية أمام المواطنين, لأنهم بفاشيتهم مسئولون أمام أنفسهم لأنهم هم وحدهم حماة الإسلام ومن يخالفهم يهدم الإسلام, فالدين من منطلقهم لهم وليس لله, والوطن من منطلقهم ملك لهم وحدهم وليس لجميع المواطنين. وهذا ما حدث ويحدث في أفغانستان. أما تعليق السيد أبوأحمد فيؤكد أنه لا معني للحديث عن الدولة المدنية دون أن يكون تداول السلطة واقعا عمليا, والديموقراطية ممارسة فعلية, والانتخابات حرة ونزيهة حتي لو أتت بالإخوان المسلمين, فالدولة المدنية الحقة هي دولة الحريات والنزاهة والشفافية وحرية تكوين الأحزاب وإصدار الصحف والعدل الاجتماعي والقضاء النهائي علي الفساد بكل أشكاله. أما الدكتور منصور حسن عبد الرحمن فيدعوني إلي قضاء إجازة بين أهلي في المحلة الكبري لأري وأكتب عن معاناة شعبي الحقيقية, وهي معاناة أوافقه عليها, فالمواطن المصري لا يجد التعليم السليم لأبنائه, ولا الرعاية الصحية لأولاده, ولا الغذاء اللائق لأسرته, وما أكثر ما نسمع عن تلوث الماء والمنتجات الزراعية المؤذية, ومئات الحكايات عن أشكال الفساد, لكن ذلك كله يمكن التغلب عليه ومعالجته بخلق مؤسسات رقابة فاعلة( إعلاما, وسلطة تشريعية) في الدولة المدنية. أما الأستاذ أحمد شريف, فيقول: مصر ليست دولة مدنية وليست دينية وليست عسكرية وليست ديمقراطية ولا علمانية. دولة ماشية بقدرة قادر بنظام ما حدش فاهمه وليس له تعريف في مصطلحات السياسة العالمية. أما وفيق فيؤكد لي أني أضرب دماغي في الصخر, وأن ما حدث قد حدث ولا فائدة, وأننا نعيش منذ سبعينيات القرن الماضي في دولة دينية. رحم الله مصر المدنية والحريات, وأقول له: لا تزال الأحلام والأماني ممكنة رغم قسوة الواقع البالغة. ولا تختلف نظرة أحمد شريف, جوهريا, عن تعليق المهندس محمود الذي يؤكد أن الإسلام ليس فيه دولة دينية, وأن المسؤول عن تأخر مصر ليست المادة الثانية من الدستور وإنما الفشل وشيوع الفساد وانعدام العدالة.