كان المشهد رهيبا الرجال يتسابقون علي حمل النعوش, المسجد يكتظ بالمصلين الذين ينتظرون قدوم الجنازة لاداء الصلاة علي المتوفين, النساء وقد تعالت صرخاتهن حزنا علي فراق الأحبة. سيارات نقل الموتي تتقدم المشيعين, بينما تقف سيارة أخري أسفل أحد المنزل تكسوها زينة وكأنها تنتظر زفاف عريس لن يحضر.صباح حزين استيقظ فيه سكان حي الحميات ببني سويف علي صرخات تصدر من منزل أبوكريم العريس الذي يستعد لزفافه مساء ذلك اليوم.. الكل هرول تجاه مصدر الصرخات لم يصدق أحد منهم ما رأي.. كريم العريس يرقد علي سريره داخل الشقة بينما شقيقته الصغيرة دينا تحتضن ابنة خالهما نورهان التي تمسك بعروستها وقد تمددتا علي الأرض بصالة الشقة وجميعهم جاحظو الأعين فاقدو النطق بعد أن أسلموا أرواحهم لبارئها.. ماذا يفعل الجيران أمام هذه المأساة التي أبي قلب الأم أن يتحملها فسقطت مغشيا عليها من هول ما رأت حين فتحت باب الشقة لتستعجل العريس الذي عاد إلي المنزل لاستبدال أسطوانة البوتاجاز لوالدته تاركا عروسه في انتظاره. صار المشهد مأساويا المتوفون الأبرياء داخل النعوش وسيارة العريس التي تكسوها الزينة تنحت جانبا بعد أن حضرت سيارة الموتي لتزفهم في عرس آخر إلي جنان الرحمن.. الكل يذكر محاسن المتوفين أثناء سير ركب الجنازة المهيب فيصف محمد حسين ابن عم المتوفين كريم بالطيبة والاخلاص وحسن الخلق الذي لم يمهله القدر أن يكمل أحلامه وطموحاته وكان يساعد والده بحب في مطعم الفول والفلافل الخاص بأسرته حتي في يوم زفافه وجميع شباب الحي يكنون له كل تقدير وحبا ثم بكي وهو يقول لن يتوان كريم في خدمة والديه حينما قرر عدم الذهاب للمنزل ليجهز نفسه لعرسه قبل أن يأتي بأسطوانة البوتاجاز إلي والدته فالأزمة الطاحنة في الأسطوانات جعلته يقع فريسة لتجار السوق السوداء الذين أعطوه ما قتله وشقيقته وابنة خالته ليدفعوا حياتهم ثمنا لجشع التجار ممن يبحثون عن الربح السريع.. وعندما اقتربت من شقيق نورهان الضحية الثالثة في محاولة لتثبيته علي الإيمان بقضاء المولي ومؤازرته في أحزانه وجدته يتحدث مع شقيقته وكأنه يري عينيها من أسفل غطائها الأبيض قائلا: يا نورهان أنا عرفت لماذا قمت بتقبيلي قبل ذهابك لتلعبي مع عروستك عند ابناء خالتك ولكن لماذا لم تخبريني أنك مش راجعة كنت جيت معاكي وعندما أدرك الأمر المحيطون به أشفقوا عليه واخذوا عروسة شقيقته من يده بعد أن خارت قواه من شدة الصدمة والحزن.. سار الموكب وأكمل طريقه ولحقت الأم الثكلي بالجنازة بعد أن أفاقت من صدمتها وهي تردد كلمات تخلع القلوب قائلة: عندما ذهبت لاستعجل عريسي للنزول لاصطحاب عروسته لحضور حفل زفافهما فوجئت به ينام علي سريره بعد أن أحضرت مفتاحا لفتح الباب بعد أن ظللت أطرق عليه مرارا وقلت: معقولة يا كريم أنت نايم من التعب وناسي أن فرحك اليوم وعندما حاولت ايقاظه أدركت بأن المنية قد وافته فخرجت مسرعة من حجرته لاستنجد بزوجي وأهالي الحي فاصطدمت بجثتي دينا الصغيرة ذات السنوات العشر ونورهان التي أبت أن تفارق الحياة دون أن تحتضن عروستها. كان حي الحميات بمدينة بني سويف قد شهد حادثا مروعا عندما لقي ثلاثة أشخاص من بينهم شقيقان مصرعهم نتيجة الاختناق بغاز البوتاجاز, فانتقل اللواء رضا طبلية مدير البحث الجنائي والعميد زكريا أبوزينة رئيس المباحث الجنائية لموقع الحادث وتبين أن أبواب وشبابيك الشقة مغلقة تماما ولا توجد شبهة جنائية وانتقل وكيل النائب العام لاجراء المعاينة للجثث الثلاث تحت اشراف المستشار حمدي فاروق المحامي العام الأول لنيابات بني سويف حيث أمر بانتداب المعمل الجنائي لفحص السخان وأسطوانة البوتاجاز لبيان مدي صلاحيتهما للاستخدام وصرح بدفن الجثث وطلب سرعة تحريات المباحث حول الواقعة.