من نافلة القول: إنه ما من جماعة مصرية حظيت باهتمام فائق مثل جماعة الاخوان المسلمين منذ نشأتها عام1928 علي يد مؤسسها الشيخ حسن البنا بل لعله يمكن الزعم بأن تلك الجماعة تعد واحدة من أكثر الجماعات تأثيرا وإثارة للجدل علي المستوي العالمي. ويكفي تدليلا علي هذا أنها بعد أكثر من60 عاما من القمع تبدو أنها التيار الرئيسي المنظم علي الساحة السياسية بالبلاد مثلما تبدي في الانتخابات الأخيرة!!! ولقد تنوعت الدراسات والتحليلات بشأن تلك الجماعة, بل تناقضت وتباينت, ولاغرو فلقد كان من الطبيعي أن تكتسي أغلب تلك الدراسات بتوجهات أصحابها من أقصي اليمين الي اليسار فعلي سبيل المثال- لا الحصر نجد أن ثمة قناعة راسخة لدي نفر من الليبراليين أو من يسمون أنفسهم كذلك وتيارات الفكر اليساري, بصفة عامة, مؤداها بأن الجماعة, هي المسئولة الأولي عن تفريخ جماعات أشد عنفا وراديكالية علي الجانب الأخر, نجد أن الاخوان المسلمين يقدمون أنفسهم بأنهم الجماعة التي حصلت علي أقصي قدر من الشرعية الشعبية, في أول انتخابات نزيهة تشهدها مصر منذ عقود. ولا جدال فهم قد تركوا الميدان لمن حاول الاستئثار به وواصلوا عملهم الدءوب المنهجي المستمر منذ عقود في جميع قري مصر وأحيائها, بطول البلاد وعرضها, سواء في منحي العمل الدعوي أو مجالات العمل الخدمي عبر توفير خدمات العلاج والتعليم وغيرهما, بعد أن غابت الدولة أو عجزت, قبل سنوات عديدة, عن القيام بمسئولياتها الاساسية لأهالينا الفقراء, والتقديرات بشأن نسبتهم الحقيقية في المجتمع تتراوح مابين40 الي70 في المائة من عدد السكان!! ويدفع مناصرو الاخوان أن الجماعة لها منذ نشأتها, شرعية شعبية, مكنتها من مواجهة قمع النظم المتعاقبة منذ الملك فاروق وحتي الرئيس السابق. مابين هذا وذاك, نلمح أن ثمة إشارات اخوانية تدل علي وجود قدر عال من النضج السياسي والبرجماتية اللازمة للعمل العام, أخذا في الاعتبار ضرورات المرحلة الإنتقالية وتحدياتها وقناعة كاتب تلك السطور بأنه بغض النظر عن اشكاليات الماضي, وكيفية النظر اليه وتبرير أعمال العنف أو نفيها فان حاضر الاخوان بعد أن دانت لهم الغلبة في أول برلمان بعد الثورة بات يمثل الحلقة الحاسمة في تاريخهم فأمام حكومتهم القادمة بعد شهور تحديات جسام ومشكلات أكبر من أن يتمكنوا من حلها بمفردهم أو بأساليب العمل الشعبي المعتاد. فنجاحهم يعني اكتساب شعبية رائجة في أولي مراحل تولي المسئولية,وفشلهم يعني تآكل شرعيتهم وتهاوي رؤاهم وبرامجهم في أول اختبار جدي لهم. ولذا ف إن الاخوان أمامهم الان طريق شائك ينبغي أن يسلكوه بكل روية وتؤدة, عبر القبول بالتالي: 1 النأي بالعمل السياسي وضروراته عن فلسفة الجماعة ورؤيتها الحاكمة لتفاعلاتها في المجتمع..فالبديل يعني اختلاط الأمور وتشوش الرؤي,والنيل من مصداقية حزب يعمل في المعترك السياسي. 2 اعلاء الصالح المصري, عما سواه ويقتضي ذلك ضبط التفاعلات الخارجية والسياسات الداخلية ببوصلة المصلحة الوطنية 3 السعي لتجنيب البلاد هزات أخري لاتتحملها بالحفاظ علي المؤسسات السيادية واستقرارها دون أن يعني ذلك بالضرورة الجمود أو التكلس. وهو مالن يأتي إلا عبر توفير بيئة آمنة لكي تطور تلك المؤسسات نفسها بالشكل والوتيرة اللتين يؤطران للمصلحة الوطنية. 4 احترام رؤي كل القوي والجماعات والتيارات, بل الأفراد كذلك التي لاتشارك الاخوان رؤاهم فالاخوان أنفسهم بحاجة الي التخلص من أسر طغيان الأغلبية حتي يؤمنوا لأنفسهم مكانا حينما تدور الدوائر, وتلك حال السياسة وطبيعة دوامها 6 مصداقية شعار مشاركة لامغالبة علي المحك فالاخوان هم الآن الأكثر حاجة الي احتضان جميع القوي, وباتساع ألوان الطيف السياسي من أقصي اليمين الي أقصي اليسار للعمل كبوتقة صهر لجميع كفاءات الوطن أن الأمر برمته يمكن تلخيصه في حتمية إدراك إن اللحظة السياسية الراهنة هي بالضرورة زائلة, ومن ثم فان ارساء قواعد اللعب النظيف هي لصالح الجميع الآن ومستقبلا..,وليتجنب الاخوان الانخداع بزهوة النصر والانتشاء بفخاره, حتي لايكونوا مستبدين, مثل سابقيهم.