الدفاع الروسية: اعتراض 13 مسيرة أوكرانية فوق مقاطعتي روستوف وبيلجورود    424 مرشحًا يتنافسون على 200 مقعد.. صراع «الشيوخ» يدخل مرحلة الحسم    اتحاد الدواجن يكشف سبب انخفاض الأسعار خلال الساعات الأخيرة    بسبب خلافات الجيرة في سوهاج.. مصرع شخصين بين أبناء العمومة    الحقيقة متعددة الروايات    بعد الزلزال.. الحيتان تجنح ل شواطئ اليابان قبل وصول التسونامي (فيديو)    "بعد يومين من انضمامه".. لاعب الزمالك الجديد يتعرض للإصابة خلال مران الفريق    بالأسماء| ننشر حركة تنقلات وترقيات قيادات وضباط أمن القاهرة    بمحيط مديرية التربية والتعليم.. مدير أمن سوهاج يقود حملة مرورية    نقيب السينمائيين: لطفي لبيب أحد رموز العمل الفني والوطني.. ورحيله خسارة كبيرة    رامي رضوان ودنيا سمير غانم وابنتهما كايلا يتألقون بالعرض الخاص ل «روكي الغلابة»    الطعام فقط ومكافأة حماس.. هل يعترف ترامب بدولة فلسطين؟    ترامب: أبرمنا اتفاقا تجاريا مع باكستان وسنعمل معًا على تطوير احتياطياتنا النفطية    سعر التفاح والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 31 يوليو 2025    «الصفقات مبتعملش كشف طبي».. طبيب الزمالك السابق يكشف أسرارًا نارية بعد رحيله    إيرادات أزور تتجاوز 75 مليار دولار ومايكروسوفت تحقق أرباحا قياسية رغم تسريح الآلاف    الحد الأدني للقبول في الصف الأول الثانوي 2025 المرحلة الثانية في 7 محافظات .. رابط التقديم    اصطدام قطار برصيف محطة "السنطة" في الغربية.. وخروج عربة من على القضبان    أول تصريحات ل اللواء محمد حامد هشام مدير أمن قنا الجديد    من بيتك في دقائق.. طريقة استخراج جواز سفر مستعجل (الرسوم والأوراق المطلوبة)    مذكرات رجل الأعمال محمد منصور تظهر بعد عامين من صدور النسخة الإنجليزية    المهرجان القومي للمسرح المصري يعلن إلغاء ندوة الفنان محيي إسماعيل لعدم التزامه بالموعد المحدد    هذه المرة عليك الاستسلام.. حظ برج الدلو اليوم 31 يوليو    يعشقون الراحة والسرير ملاذهم المقدس.. 4 أبراج «بيحبوا النوم زيادة عن اللزوم»    لحماية الكلى من الإرهاق.. أهم المشروبات المنعشة للمرضى في الصيف    د.حماد عبدالله يكتب: إحترام "العدو" العاقل واجب!!    في حفل زفاف بقنا.. طلق ناري يصيب طالبة    مصرع شاب وإصابة 4 في تصادم سيارة وتروسيكل بالمنيا    التوأم يشترط وديات من العيار الثقيل لمنتخب مصر قبل مواجهتي إثيوبيا وبوركينا فاسو    ختام منافسات اليوم الأول بالبطولة الأفريقية للبوتشيا المؤهلة لكأس العالم 2026    المصري يواجه هلال مساكن فى ختام مبارياته الودية بمعسكر تونس    إغلاق جزئى لمزرعة سمكية مخالفة بقرية أم مشاق بالقصاصين فى الإسماعيلية    الوضع في الأراضي الفلسطينية وسوريا ولبنان محور مباحثات مسؤول روسي وأمين الأمم المتحدة    نشرة التوك شو| انخفاض سعر الصرف.. والغرف التجارية تكشف موعد مبادرة خفض الأسعار..    التنسيقية تعقد صالونًا نقاشيًا حول أغلبية التأثير بالفصل التشريعي الأول بالشيوخ    بعد 20 سنة غيبوبة.. والد الأمير النائم يكشف تفاصيل لأول مرة (فيديو)    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الخميس 31 يوليو 2025    حدث ليلًا| مصر تسقط أطنانا من المساعدات على غزة وتوضيح حكومي بشأن الآثار المنهوبة    القبض على 3 شباب بتهمة الاعتداء على آخر وهتك عرضه بالفيوم    «أمطار في عز الحر» : بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: «توخوا الحذر»    مدير تعليم القاهرة تتفقد أعمال الإنشاء والصيانة بمدارس المقطم وتؤكد الالتزام بالجدول الزمني    هل يعاني الجفالي من إصابة مزمنة؟.. طبيب الزمالك السابق يجيب    "تلقى عرضين".. أحمد شوبير يكشف الموقف النهائي للاعب مع الفريق    وزير الرياضة يتفقد نادي السيارات والرحلات المصري بالعلمين    هل تتأثر مصر بزلزال روسيا العنيف، البحوث الفلكية تحسمها وتوجه رسالة إلى المواطنين    مونيكا حنا: علم المصريات نشأ فى سياق استعمارى    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    شادى سرور ل"ستوديو إكسترا": بدأت الإخراج بالصدفة فى "حقوق عين شمس"    ترامب: وزارة الخزانة ستُضيف 200 مليار دولار الشهر المقبل من عائدات الرسوم الجمركية    تنسيق المرحلة الأولى 2025.. لماذا يجب على الطلاب تسجيل 75 رغبة؟    عيار 21 يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب تنخفض 720 للجنيه اليوم الخميس بالصاغة    حياة كريمة.. الكشف على 817 مواطنا بقافلة طبية بالتل الكبير بالإسماعيلية    أسباب عين السمكة وأعراضها وطرق التخلص منها    ما المقصود ببيع المال بالمال؟.. أمين الفتوى يُجيب    ما حكم الخمر إذا تحولت إلى خل؟.. أمين الفتوى يوضح    الورداني: الشائعة اختراع شيطاني وتعد من أمهات الكبائر التي تهدد استقرار الأوطان    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر: المهم التحصن لا معرفة من قام به    الشيخ خالد الجندي: الرسول الكريم ضرب أعظم الأمثلة في تبسيط الدين على الناس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإخوان‏..‏ والصعود نحو الهاوية‏26‏

عندما تقدم المهندس أبو العلا ماضي بتأسيس الحزب لم يكن قادة الحرس القديم قد حسموا أمرهم من قضية الحزبية بشكل عام علي الرغم من موافقتهم في بادئ الأمر علي المشروع
وهو ما أكده ماضي نفسه في حوار مع جريدة الحياة عندما ألمح إلي أن المبادرة بتأسيس الحزب لم تأت منقطعة الصلة بجماعة الإخوان بمعني تنظيمي‏..‏ أو بمعني فكري‏.‏
وأشار ماضي‏(‏ في محضر نقاش أجريناه معه بعد عشرة أيام فقط من تقدمه بطلب الحزب في‏9‏ يناير‏1996)‏ إلي أن بعض قيادات الإخوان كانوا علي علم مسبق بهذه الخطوة‏,‏ هذا علي الصعيد التنظيمي‏,‏ أما علي صعيد الانتماء الفكري للإخوان فقد أكد ماضي بوضوح اعتقادنا الراسخ في شعار الإسلام هو الحل‏..(‏ الشعار الرئيسي الجامع للإخوان المسلمين‏),‏ وأن حزب الوسط هو ترجمة برنامجية للشعار‏..‏ وشدد علي أن المؤسسين للوسط لا يمانعون أن ينضم للحزب أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين‏.‏
أما اعتراف تيار الحرس القديم فجاء علي لسان المرشد العام للجماعة في حوار أجريناه معه ونشر في حينه بجريدة الأهالي عدد‏7‏ فبراير‏1996,‏ حيث أكد مشهور في رده علي سؤال لنا حول ما أعلنه مجموعة حزب الوسط من أنهم لا ينتمون تنظيميا للجماعة‏,‏ هذا كلام يقولونه لدرء الشبهات‏,‏ لأن الحكومة تعلن أن جماعة الإخوان جماعة غير شرعية‏,‏ وتقول إنه لا يوجد ما يسمي بتنظيم الإخوان المسلمين في مصر‏..‏ وهؤلاء الشباب يريدون أن يدفعوا عن أنفسهم كونهم ينتمون لتنظيم غير شرعي‏,‏ حتي يحظي حزبهم بالقبول‏,‏ ولكنهم لم ينسلخوا عنا ومازالوا أعضاء في تنظيم الإخوان المسلمين‏.‏
وفي حوار آخر مع مجلة المختار الإسلامي في‏5‏ مارس‏1996‏ يعود المرشد ليؤكد علاقة الجماعة بالحزب وبمؤسسيه‏,‏ حيث يقول نحن لم نحظر علي الشباب أن يتحرك‏,‏ وهم قالوا نؤسس حزبا لأن الحكومة لا تعترف بشرعية الجماعة‏,‏ ونحن كشيوخ داخل الجماعة لم نحظر عليهم تلك الخطوة‏,‏ وأضاف التزام هؤلاء الشباب بالجماعة أصل وتصرفاتهم مجرد اجتهاد‏,‏ وهم لا ينوون الانعزال عن الجماعة أو الانشقاق عنها‏,‏ ورأوا أنها قد تكون وسيلة للعمل لكنها لا تعني الانفصال عن الجماعة‏.‏
بل يذهب المستشار مأمون الهضيبي المتحدث الرسمي باسم الجماعة وقتها ليعلن بوضوح أن شباب الإخوان قد تم لهم الإذن بذلك‏,‏ وذلك في حوار بمجلة اليسار في عدد فبراير‏1996.‏
ويبقي التصريح الأوضح والأسرع لقيادات الإخوان بخصوص الحزب‏,‏ هو ذلك التصريح الشهير الذي أدلي به المرشد العام مصطفي مشهور لوكالة الصحافة الفرنسية‏(‏ نشر بجريدة الشرق الأوسط اللندنية في‏21‏ فبراير‏1996)‏ أن بعض الشباب من الإخوان فكروا في إنشاء حزب حتي نتحرك بشكل قانوني‏,‏ وهذه المرة الأولي التي تنوي فيها جماعة الإخوان المسلمين إنشاء حزب منذ تأسيسها في العام‏1928‏ انتهي كلام المرشد العام للإخوان‏...‏ وهو في غاية الوضوح لا لبس فيه أو غموض‏..‏ ولكن‏..‏ وكعادة قيادات الإخوان دائما ومنذ المؤسس الأول الإمام حسن البنا وحتي آخر مرشد عام‏,‏ عاد مصطفي مشهور ليعلن بعبارات واضحة‏,‏ لا لبس فيها أيضا أنه لا علاقة للإخوان بالمجموعة التي سعت لإنشاء حزب الوسط‏,‏ وأنه لا تربطهم بالجماعة صلة تنظيمية‏(!!)‏ في حديث مع مجلة الحوادث اللبنانية في‏8‏ مارس‏1996.‏
وهكذا استمر التردد والمراوغة يتحكم في تصريحات قيادات المعسكرين‏..‏ شباب الوسط‏..‏ وقيادات الإخوان وإن يكن تردد و مراوغة المرشد العام والمتحدث الرسمي باسم الإخوان قد جاءا من باب الاعتياد واتساقا مع أساليب الجماعة في التعامل مع الأمور‏..‏ حيث دائما أكثر من رأي وأكثر من تصريح‏..‏فإعلان‏..‏ ثم إنكار ثم إعلان‏..‏ وهكذا وهي سنة شائعة‏..‏ تمثل فهما وأسلوبا ملازما للجماعة‏,‏ وقد تكون الجماعة‏(‏ الإخوان المسلمين‏)‏ وخاصة تيار المحافظين قد عمد لهذا السلوك‏..‏ حتي تتكشف الأمور‏..‏ فإن خيرا ووافقت الحكومة علي التصريح للحزب‏..‏ فالعدة والعتاد جاهزان للاستحواذ علي الحزب‏..‏ وإن لم يكن ذلك‏..‏ فتبقي للجماعة هيبتها وثبات مواقفها من قضية العمل الحزبي‏..‏ وربما في تحليل آخر عمدت الجماعة علي لسان صقورها وقادتها إلي التأكيد علي العلاقة التنظيمية بين الإخوان وجماعة المؤسسين للحزب كرسالة للحكومة‏,‏ وبالتالي ترفض الحكومة التصريح للحزب‏,‏ فتقطع الجماعة علي الخارجين عنها من شباب الوسط الطريق‏..‏ فيعودون صاغرين‏.‏
علي كل حال‏..‏ وأيا ما كانت استراتيجية الصقور من مشايخ وقيادات الإخوان فهي قابلة للفهم بمنطق تاريخي مرجعي أو بمنطلق برجماتي نفعي‏,‏ يبقي أن تردد شباب إخوان الوسط‏..‏ في تحديد علاقتهم التنظيمية والفكرية رغم تفهمنا لبعض ترددهم كما أسلفنا بجماعة الإخوان فيما يبدو هو نقطة ضعفهم أو قل كعب آخيل الذي تسللت منه حجج ومبررات الرافضين وغير المتحمسين والمحذرين‏,‏ سواء لجنة الأحزاب أو بعض القوي السياسية أو النظريات الأمنية التي تلاحقهم باعتبارهم مجرد بالون اختبار أطلقته جماعة الإخوان‏,‏ أو مناورة لاستشراف نوايا الحكومة‏,‏ أو في أحسن الأحوال مجرد حاجزين لحزب سياسي‏..‏ حتي تأتي جحافل الإخوان بصقورها ومشايخها التقليديين للسكن فيه‏.‏
هكذا في رأينا جني تردد شباب الوسط عليهم‏..‏ وكما كانت فكرتهم علي المستوي النظري جسورة ومثلت خطوة كبيرة للأمام في تاريخ العمل السياسي الإسلامي‏,‏ كان عليهم أن يتحلوا بجسارة مماثلة علي مستوي الممارسة العملية‏..‏
وأن يتجاوزوا جدار الهيبة‏..‏ وخشية العاقبة‏..‏ عاقبة الانسلاخ الواضح عن الإخوان المسلمين وهو ما حدث للأمانة ولكنه جاء متأخرا‏.‏
الافتراق‏..‏ حتمية موضوعية
أمام هذا التصاعد الدرامي قد يخطر للبعض سؤال‏:‏ ألم يكن من الممكن تدارك الأمور قبل استفحالها؟ هل عدمت الجماعة نفرا من الحكماء من داخلها أو خارجها يسعون للم الشمل؟ ألم يتفهم هذا التيار أو ذاك ضرورة تقديم بعض التنازلات للآخر؟ ألم يكن من الممكن تحاوز هذه الحالة ببعض المرونة تجاه هذه الرؤية أو تلك؟‏!‏
نقول‏.‏ لا شك أن بعضا من هذا حدث‏..‏
لكن كل هذه المحاولات لتجاوز مساحات الخلاف بين رؤي الفريقين لم تحقق مرادها متكاملة لتلك القضية تنظر في ماهية هذه القيادات التاريخية للإخوان والظروف الذاتية والموضوعات التي تشكلت فيها ملكاتهم وأملت عليهم مواقفهم واختياراتهم ورؤاهم‏..‏ كذا الظروف المغايرة التي تشكل خلالها جيل شباب السبعينيات التجديدي‏,‏ وأملت عليهم أيضا رؤاهم وانحيازاتهم يقول طلعت رميح واصفا جيل المحافظين من الحرس القديم‏:(‏ طلعت رميح‏,‏ الوسط والإخوان‏,‏ ص‏172).‏
القيادة الحالية للإخوان تشكلت عقليا وسياسيا وتنظيميا ونفسيا ومن خلال ضغط الأزمة والصراع الضاري مع ثورة يوليو والرئيس عبدالناصر‏,‏ وتأثرت بتبعاته فيما بعد‏,‏ حيث دخلت هذه القيادات السجون‏,‏ وهم في سن الشباب وكانت خلفيتهم الثقافية ورؤاهم السياسية وقدراتهم التنظيمية هي ما يتوافر للشعب المصري في تلك المرحلة‏..‏ وكان لطول الفترة التي قضوها وراء الأسوار وصلت بالنسبة للكثيرين منهم إلي‏15‏ عاما وقضي بعضهم اثنين وعشرين عاما كاملة‏,‏ ومنهم المرشد الحالي للجماعة مهدي عاكف بصمود وصبر وتبتل‏,‏ انقطعوا خلالها عن العالم تأثير كبير‏,‏ سواء من ناحية تحديد نوعية العناصر التي استمرت‏,‏ أو المفاهيم والأفكار والآراء والسلوكيات التنظيمية التي تغلغلت في داخلهم‏,‏ بما يمكن تلخيصه في التالي‏:‏
‏1‏ أن من صمد طوال هذه الفترة العصيبة‏,‏ ومن تنادي بعد ذلك لبدء نشاط الإخوان مجددا‏,‏ كانوا في معظمهم من اعضاء النظام الخاص الذين اختيروا لهذه المهمة‏,‏ وتربوا خلالها علي صفات الثبات والسرية والطاعة والثقة المطلقة في القيادة وتنفيذ الأوامر‏,‏ وهي إن كانت صفات ضرورية للعمل في هذا الجهاز الخاص‏,‏ لكنها ليست متناسبة مع الدور الجديد الذي أصبحوا مطالبين بأدائه في قيادة الجماعة في الفترة التي بدأوا فيها إعادة نشاط الإخوان مع مطلع السبعينيات‏,‏ والذي يتطلب موهبة وأسلوبا وتجربة خاصة في قيادة الجماعة في كل مجالات نشاطاتها السياسية والتنظيمية والنقابية‏..‏ الخ‏.‏
‏2‏ ان الخلفية الثقافية والسياسية بالنسبة لهذه القيادات قد أصيبت بالتجمد بحكم طول الفترة في السجن‏,‏ وصعوبة إمكانية الاطلاع كذلك بسبب ظروف السن‏,‏ مما جعل هذه القيادات ليست علي إدراك كامل بالتطورات السياسية الهائلة التي حدثت في العالم‏,‏ وبالأفكار والتيارات الحديثة التي ظهرت علي ساحة الأحداث‏,‏ وبنظم الإدارة والتنظيم الحديثة‏..‏ الخ‏,‏ وهو الأمر الذي دفعهم إلي الغموض وعدم الوضوح في الشعارات السياسية التي يطرحها الإخوان‏,‏ والبعد عن تفصيلها في برامج سياسية‏,‏ بل والإصرار علي جعل تفاصيلها في رؤوس الإخوان القدامي‏,‏ دون تفصليها لدي الجدد أنفسهم‏!‏
لقد توقف هؤلاء عند حدود الأفكار التي طرحها الشهيد حسن البنا‏,‏ بحكم أنهم تربوا عليها غير أنه وإن كانت سابقة لعصر تشكيل الإخوان‏,‏ إلا أنها بعد مضي وقت كانت بحاجة للتحديث والتطوير بحكم التغيرات الكبيرة التي شهدها العالم والحياة‏,‏ وهو أمر لم تمكنهم ظروفهم السالفة الذكرمن القيام به‏.‏
‏3‏ وكان طبيعيا والحال كذلك أن يصاب الحرس القديم بحالة عاطفية تجاه بعضهم البعض‏,‏ وأن تسخر القواعد واللوائح للحفاظ علي تماسكهم‏,‏ بل ولعدم إغضاب بعضهم البعض‏,‏ مهما كانت الظروف والأحوال والمشكلات‏,‏ الأمر الذي تسبب في شلل داخلي للتنظيم‏,‏ باعتبار أن غضب أحدهم هو خط أحمر لصدور أي قرار سياسي أو تنظيمي‏.‏
‏4‏ كما كان من ناتج أحداث الملاحقات والمحاكمات والنشر في الصحف خلال عامي‏1954‏ و‏1965‏ أن حدثت هالة من التقديس تجاه بعض الرموز نتج عنها تكريس شديد لعدد من الشخصيات‏.‏
لقد كانت أجهزة الإعلام الناصرية في حاجة إلي التضخيم من حجم الأفكار ومن قدرة بعض الشخصيات‏,‏ ومن عظم بعض الأحداث لتبرير اتساع وسطوة الإجراءات المتبعة ضد الإخوان‏,‏ فتأثر بعض من جرت حولهم عمليات النشر والإعلام‏,‏ وغزت هذه الأوضاع نفوسهم‏,‏ بما قلل من شعورهم بأهمية الاطلاع علي ما يجري من تطورات‏,‏ وبما قلل من احتمالهم للخلاف مع الجيل الجديد‏,‏ أو تقبل آرائه ومساهماته‏.‏
‏5‏ وكان من ناتج عمليات الإعدام التي جرت وقبلها عملية اغتيال الشهيد حسن البنا أن أصبح المرشحون للقيادة أندادا لبعضهم البعض‏,‏ إذ افتقد الإخوان كاريزمية شخصية البنا‏,‏ كما افتقدوا الصف الأول في القيادة‏,‏ ولم تبرز منهم شخصية قيادية خلابة‏,‏ الأمر الذي كان عامل طرد للبعض‏,‏ كما كان عاملا من عوامل الاستقلال بالمحافظات التي توجد فيها قيادات تاريخية‏.‏
‏6‏ ان ظروف الأحداث التي مرت بها الجماعة مع ثورة يوليو جعلت هذه الرموز في حالة قطيعة مع التيارات الأخري‏,‏ وقللت من مرونتهم السياسية‏,‏ وبالغت في نظرتهم الخلافية مع هذه التيارات مع الدولة‏,‏ وأصبحت تنظر بشك وحذر لكل تعاون مشترك لسابق تحميلها بإرث الماضي‏.‏
تيار جديد‏:‏
وفي المقابل نشأ تيار السبعينيات التجديدي نشأة عفوية‏,‏ ارتبطت بالطاقات والإبداعات الفردية‏,‏ وارتبطوا بحركة واسعة قبل ارتباطهم التنظيمي بالإخوان‏.‏
وإذا كان الجيل القديم‏,‏ خرج من إطار ما أتيح من ظروف ثقافية وفكرية وتنظيمية وإدارية في الأربعينيات‏,‏ فإن الجيل الجديد ارتبطت نشأته بظروف تعليمية وثقافية وسياسية مختلفة‏,‏ ومنفتحه علي الحياة والعالم‏,‏ قرأوا خلالها لمفكرين من خارج الإخوان‏,‏ وذهبوا إلي كل أطراف العالم ينشدون العلم والمعرفة‏,‏ أو المساهمة السياسية في نشاطات التجمعات الخارجية‏,‏ وتعلموا لغات الغرب‏,‏ واحتكوا بحضارتهم‏,‏ فاستفادوا منها‏,‏ ورفضوا سلبياتها‏.‏
وإذا كان الجيل القديم حدد موقفا من التيارات السياسية ومن الدولة‏,‏ تأثر فيه بإرث الأزمة‏,‏ فإن التيار الجديد نشأ وتربي مع ثورة يوليو‏,‏ وخرج للعمل العام من خلال الاحتكاك بالحركة السياسية والتيارات الأخري‏,‏ غير محمل بإرث الماضي‏,‏ فوجدها علي غير مايري القدامي‏,‏ فاقترب منها وتأثر بها وأثر فيها‏.‏
وإذا كان الجيل القديم انضم للجماعة في غير نزاع مع جماعات أخري‏,‏ فإن الجيل الجديد انضم للجماعة في نزاع مع جماعات أخري‏,‏ أهمها جماعات العنف‏,‏ مما يجعله أشد حساسية ونفورا من فكرها‏,‏ وأكثر طلبا والحاحا علي التمايز عنها‏.‏
وإذا كان الجيل القديم لم ير في جماعات الدول الأخري التي خرجت علي خط الإخوان سوي تيارات انحرفت بالدعوة‏,‏ فإن الجيل الجديد رآها مجددة‏,‏تطورت بفكر الإخوان الذي توقف‏,‏ تفهم مواقفها وتعلم منها‏,‏ ورفض ما رآه مخالفا لمايري‏,‏ ووافق علي ما رآه إيجابيا صحيحا‏.‏ جيل رأي الإخوان في اليمن يشاركون في الحكم‏,‏ ومثلهم إخوان الأردن‏,‏ فلم يغيروا فكرهم وأصابوا نجاحا في خدمة مواطنيهم‏.‏ورأي الإخوان في السودان صاروا أقلية أمام زحف فكر الترابي بغض النظر عما لهم من تحفظات عليه وعلي المجيء للحكم عبر انقلاب عسكري‏,‏ فرموز هذا التيار يرفضون هذا الأسلوب والتكتيكات السياسية البالغة التعقيد التي اتبعها‏.‏
مأزق الإخوان‏:‏
غير أن الأهم من اكتشاف وتعرف الجيل الجديد علي ظروف الحرس القديم هو تعرفهم علي المشكلات والمآزق الخطيرة التي تواجه الإخوان بسبب هذا الجيل المسيطر أو للأسباب التاريخية التي مر بها الإخوان‏.‏
وقد توصل بعض رموز هذا الجيل إلي أن ثمة ازدواجية تحكم ظروف الإخوان‏,‏ وتعرقل تطورهم السياسي والتنظيمي والجماهيري‏!.‏
فالإخوان‏..‏جماعة‏..‏وليسوا حزبا ينشدون الحرية والتعددية ويقيدهم رأيهم في عدم المشاركة في أية حكومة لاتمثل الإخوان بصفة كاملة‏.‏
ينشدون العمل السياسي‏..‏ويفتقدون مرونة التعاون من كل القوي السياسي أو معظمها‏.‏
يرغبون في تأسيس حزب‏..‏وغير قادرين علي تقديم رؤي وأفكار تناسب الظروف السياسية والقانونية السائدة‏.‏
يقفون ضد الإرهاب‏..‏ دون أن يعلنوا انحيازهم للتغيير السلمي وتداول السلطة‏,‏ مكتفين بما صدر في الستينيات‏(‏ كتاب دعاة لاقضاة‏)‏ وبإدانة العمليات الإرهابية‏.‏
يشعرون بالتغيرات الهائلة في العالم‏..‏وغير قادرين علي طرح رؤي فكرية وفقهية لمعالجتها‏.‏
يعملون في علنية‏..‏وتحاط أمورهم بالسرية‏!‏
بهذا الوضوح الجامع‏..‏وصف طلعت رميح الحال‏..‏حال كل معسكر‏..‏معسكر تيار الحرب القديم وأتباعهم‏..‏ومعسكر تيار السبعينيات التجديدي‏..‏حتي بدا جليا أن التقاء المعسكرين وإن تم في لحظات وفرت الظروف الموضوعية والذاتية ممكنات التلاقي لهما إلا أن واقع الحال الآن يشير لصعوبة إن لم نقل استحالة التلاقي‏..‏ ونعني هنا بالتلاقي الاستمرار في وعاء تنظيمي واحد تسيطر عليه أفكار المحافظين المتشددين من صقور جماعة الإخوان‏..‏ومن هنا‏..‏فإن الافتراق حادث لامحالة كما تم في الوسط مع باقي أطياف هذا التيار‏,‏ إن لم يكن اليوم فغدا‏,‏ وإن لم يكن بالجسد فبانتصار الفكرة‏.‏
إن قصة حزب الوسط تعكس ضمن ماتعكس بجلاء الصراع الفكري‏/‏ التنظيمي داخل صفوف الإخوان المسلمين‏..‏ وتكشف طبيعة الخلاف بين الديني والسياسي علي المستوي الفكري النظري كذا علي المستوي الحركي العملي‏.‏
وتقود إلي السؤال الأهم‏:‏ هل يمكن أن تتحول جماعة الإخوان إلي حزب سياسي؟ هذا السؤال‏..‏ سنشتبك مع معطياته لاحقا‏.‏
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.