بعد33 عاما من حكم اليمن, انضم علي عبدالله صالح إلي قائمة الرؤساء المخلوعين بفعل رياح الربيع العربي والتي تضم حتي الآن الرئيس المصري السابق حسني مبارك والتونسي السابق زين العابدين بن علي. فضلا عن العقيد الليبي القتيل معمر القذافي. فهل أجهضت ثورة اليمن عند هذا الحد برحيل صالح وبقاء نظامه أم أن الأوضاع قابلة للانفجار مرة أخري؟ خاصة أن اتفاق نقل السلطة الذي تدعمه الولاياتالمتحدة منح صالح الحصانة من المحاكمة بشأن قتل مئات المحتجين كما يترك ابنه وأبناء أشقائه في مراكز السلطة بالجيش وقوات الأمن؟. وبينما احتفل يمنيون برحيل صالح الذي يعالج حاليا بالولاياتالمتحدة, يعتبر آخرون أن ماجري من انتخابات اشتملت علي مرشح وحيد هو عبدربه منصور هادي نائب صالح, ليس إلا محاولة لإجهاض الثورة وإعادة انتاج النظام القديم بإضفاء الشرعية علي المبادرة الخليجية المدعومة أمريكيا بدعوي أنها الحل الوحيد لتجنب الحرب الأهلية. وحسب المبادرة سيتولي منصور هادي الحكم لفترة انتقالية مدتها عامان تجري خلالها انتخابات رئاسية ويوضع دستور جديد للبلاد. لكن يبدو أن الأمور لن تسير في الاتجاه المرسوم لها بفعل تعقيدات المشهد اليمني وتداخل مصالح قوي اقليمية ودولية علي خط الأزمة, فضلا عن بذور الشقاق الداخلي التي تركها صالح وتركته الثقيلة علي الصعيد الاقتصادي والإنساني مع ملفات فساد عنكبوتية. ابن الرئيس وربما غاب صالح عن الصورة رسميا لكن أفرادا من عائلته ومن الدائرة المقربة منه مازالوا في مناصب مهمة خاصة ابنه أحمد قائد الحرس الجمهوري ويحيي, ابن شقيق وقائد قوات الأمن المركزي, حيث يخوض الاثنان صراعا مع الزعيم القبلي صادق الأحمر واللواء المنشق علي محسن. ويتوقع في هذا السياق, إذا سمح لأقارب صالح بالبقاء فإن الرئيس السابق الذي تعهد بالعودة إلي اليمن ليصبح زعيما لحزبه السياسي سيتمكن من الاستمرار في ممارسة نفوذه من وراء ستار. صانع الملوك وربما لايحكم صالح اليمن مرة أخري, لكنه قد يصبح صانعا للملوك, خاصة من أقاربه ومؤيديه, في ظل ظروف قد تساعده علي ذلك نظرا لدور هؤلاء المحوري في الحرب الامريكية علي مايسمي الإرهاب وتنظيم القاعدة. ومن أبرز اللاعبين في هذا الصدد يحيي ابن شقيق صالح الذي يقود وحدة يمنية مدربة جيدا لمكافحة الإرهاب. وليس من شك في أن تلك العلاقة قد تجعل واشنطن مترددة تجاه حدوث تغيير شامل بين أوثق شركائها العسكريين في اليمن وقد تعزز أيضا موقع صالح والمقربين منه داخليا إذا حاولوا التمسك بالسلطة. أما علي الأرض فإن أقارب صالح, يواجهون انشقاقات مسلحة بالجيش ومدعومة في الوقت نفسه من عناصر قبلية قوية, بما يفتح الباب لإمكانية انفجار الموقف مستقبلا, في ظل انتشار غير عادي للسلاح. وقد أثارت الانشقاقات مخاوف امريكية من أن جيش اليمن لن يكون مستعدا لمواجهة فرع القاعدة الذي تزداد قوته في البلاد والذي حصل بالفعل علي موطئ قدم في بعض مناطق الجنوب بالقرب من مسارات شحنات النفط عبر البحر الأحمر, فضلا عن مخاوف من تنفيذ هجمات في المستقبل علي أهداف امريكية وسعودية. حقول ألغام ويتعين علي الرئيس الجديد التحرك بحرص لإعادة هيكلة المؤسسات اليمنية وخاصة العسكرية, لنزع فتيل التوتر. وعليه أيضا مواجهة مصاعب التخلص من أقارب صالح إذا أراد استرضاء الشارع الذي كان ثائرا حتي فترة قريبة. وإلي أن يشرع منصور هادي بهذه المهمة, قد يتوجب عليه الدخول في حقل ألغام آخر, يتعلق بأزمة الجنوب ومطالب الانفصال المتجددة, حيث يطالب جنوبيون يتهمون الشمال بالاستيلاء علي مواردهم والتمييز ضدهم بإلغاء الوحدة مع الشمال الذي خاضوا معه حربا أهلية في عام4991 بعد وحدة سياسية رسمية في.0991 أما في الشمال فهناك حقل ألغام آخر بالغ الخطورة يتعلق بالحوثيين الذين اقاموا من الناحية الفعلية دولة خاصة بهم داخل الدولة وعلي الحدود مع السعودية ويخوضون قتالا ضد السلفيين. وقد دعا الحوثيون لمقاطعة الانتخابات التي وصفوها بأنها مؤامرة دبرتها دول مجلس التعاون الخليجي والولاياتالمتحدة. ويأتي التوتر بهذه المنطقة علي خلفية مخاوف من تدخل إيران الشيعية لاستغلال مناخ عدم الاستقرار حيث الخوف الاكبر أن يتحول شمال اليمن لساحة حرب بالوكالة بين إيران والسعودية. وقد قال السفير الامريكي لدي صنعاء جيرالد فيرستاين إن إيران الشيعية تثير الاضطرابات في المحافظات الشمالية باليمن. كما يواجه الرئيس اليمني الجديد أيضا أزمة انسانية في بلد يعيش24% من سكانه علي أقل من دولارين في اليوم وتشح فيه موارد المياه وإمدادات الوقود والكهرباء. وطبقا لتقديرات الأممالمتحدة, فإن75% من أطفال اليمن البالغ عددهم21 مليونا يعانون من سوء التغذية بصورة مزمنة وهو أعلي مستوي بعد افغانستان وأن نصف مليون طفل يمني يواجهون الموت أو التشوه نتيجة سوء التغذية. فماذا سيفعل الرئيس الجديد عبدربه منصور هادي مع تلك الملفات الشائكة؟.