كثيرا ما كان الرئيس اليمني المنتهية ولايته علي عبدالله صالح يصف الطريقة التي كان يحكم بها اليمن بأنها بمثابة رقص علي رءوس الأفاعي. والتساؤل الجوهري الذي قد يطرح نفسه الآن بعد تنحي صالح عن سدة الحكم هو: هل سيتمكن عبدربه منصور هادي الذي تولي مقاليد السلطة في البلاد رسميا ترويض الأفاعي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقبلية التي تشمل في مجملها جوهر التركة القابلة للانفجار التي تركها صالح لخليفته؟ فعلي الرغم من الأضواء الإعلامية الكثيرة التي تسلطت علي سيرة وممارسات عبدربه منصور هادي باعتباره الرئيس الجديد لليمن, إلا أنه وكما تقول وكالة رويترز في تحليل إخباري لها عن شخصية هذا الرجل فإن أحدا لايعرف سوي النذر اليسير عن هادي, ذلك الرجل الغامض الذي عاش في ظل علي عبدالله صالح الذي حكم البلاد بقبضة من حديد لأكثر من ثلاثين عاما. فحتي أشهر معدودة, لم يكن علي الأرجح يخطر ببال هادي الذي يبلغ من العمر واحدا وستين عاما أنه سيكون علي رأس السلطة في تلك الدولة بتأييد واسع النطاق من السواد الأعظم من القوي الدولية والاقليمية الكبري فيما سيكون صالح نفسه صاحب الفضل الأعظم في صعوده السياسي مجبرا علي أن يبدأ من جديد لعبة الصراع علي السلطة وفق معادلة جديدة فرضها واقع تؤججه ثورة شعبية مازالت مستعرة. فقد أصبح هادي علي رأس السلطة في بلد تسوده فوضي قد تجعل منه دولة فاشلة, ويواجه تحديات متعددة, من اقتصاد منهار, إلي تهديد متزايد من تنظيم القاعدة وخلاياه النشيطة والنائمة, ومشاعر انفصالية متنامية في الجنوب, ومتمردين حوثيين في شمال اليمن. تحديات هادي ولعل هذا ماعبر عنه هادي في كلمة له حين قال إنه سيقود واحدة من أصعب المراحل التي واجهها اليمن في تاريخه وأكثرها تعقيدا. واستطرد هادي قائلا: إن الطرق مغلقة, وخطوط أنابيب النفط معطلة, والأوضاع المعيشية صعبة, والنشاط التجاري والصناعي يعاني من شلل شبه تام. ورغم أن أصوله ترجع لمحافظة أبين الجنوبية, إلا أن هادي وقف إلي جانب صالح خلال الحرب الأهلية اليمنية التي اندلعت في عام ألف وتسعمائة وأربعة وتسعين بين شمال البلاد وجنوبها, إذ كان جنوب اليمن جمهورية اشتراكية منفصلة, قبل أن يتحد مع شمال البلاد عام ألف وتسعمائة وتسعين. ووصف زميل دراسة سابق لهادي الرئيس اليمني المنتخب الجديد بأنه شخصية تكنوقراطية تنبذ القبلية. ويقال إن هادي كان قد أجبر علي الهرب من الجنوب عام ألف وتسعمائة وستة وثمانين مع عدد من الكتائب العسكرية بعدما قامت مجموعة من لواءات الجيش بانقلاب هناك. وتقع علي عاتق هادي الآن مسئولية قيادة يمن موحد خلال فترة انتقالية محفوفة بالمخاطر تتطلب منه وضع دستور جديد للبلاد, وإجراء انتخابات تعددية في غضون عامين. لكن ثمة من يقول إن مهمة هادي ستكون أسهل لأنه يحظي بدعم أبناء صالح وأقاربه الذين مازالوا يسيطرون علي وحدات عسكرية وأمنية عديدة إلي جانب تمتعه بقبول من جانب لواءات مناهضين لصالح ومن جانب المعارضة اليمنية. معضلة كبري لكن هناك من يقول أيضا ان المعضلة الكبري التي ستواجه هادي وهو أب لخمسة أبناء ستتمثل في النأي بنفسه عن تركة صالح دون أن يثير في هذا الصدد حفيظة أنصار الرئيس السابق خاصة في القوات المسلحة. وقد نقلت رويترز عن عبدالغني الارياني وهو محلل سياسي يعيش في صنعاء قوله إن ظلال صالح علي النظام السياسي اليمني ثقيلة, وأن ميزة هادي أنه ليس صالح. كما تؤكد الأحزاب المعارضة أنه يتعين علي هادي العمل بحسم لكسب عقول اليمنيين وقلوبهم. وتشدد هذه الأحزاب علي أنه إذا أراد هادي أن يحفر اسمه في التاريخ, فعليه أن ينقل الشعب اليمني نحو التغيير بخدمة أهداف الثورة والتصدي لأصحاب النفوذ في إشارة إلي أقارب صالح والمقربين منه الذين يتولون مناصب مهمة في هيكل السلطة باليمن. وقد ظل هادي الرجل الثاني في اليمن لمدة عشرين عاما وأظهر بالفعل وفق مراقبين أنه مستعد لإتخاذ قرارات مثيرة للجدل. وتردد أن علاقة هادي بصالح تأزمت في الآونة الأخيرة بعدما رفض أوامر الرئيس السابق بإعادة حلفاء له فقدوا مناصبهم خلال عملية تسليم السلطة. لكن من غير الواضح بعد ماذا سيفعل هادي مع العشرات من الاقارب الاقوياء لصالح في السلطة. والمعروف في هذا الصدد أن صالح موجود حاليا في الولاياتالمتحدة حيث يتلقي العلاج من جروح لحقت به في محاولة اغتيال في يونيو الماضي مما قد يزيد نسبيا مساحة المناورة السياسية المتاحة لهادي الآن. لكن تردد أن صالح مصمم علي العودة ثانية للبلاد ورئاسة اكبر حزب فيها مما قد يفاقم المشكلات السياسية التي ستعصف علي الارجح بفترة حكم هادي. توازن سياسي لكن سيكون علي هادي الحفاظ علي توازن سياسي غاية في الصعوبة, فمن ناحية سيكون عليه تنفيذ انتقال سلس للنظام السياسي اليمني يشمل اصلاحات دستورية, ويسمح له بإعادة هيكلة القوات المسلحة دون اصطناع المزيد من الاعداء. لكن علي الناحية الأخري يجب علي هادي الاستجابة لجانب من مطالب الثوار, وعناصر في الجيش نفسه يحظون بهيمنة راسخة بطرد بعض أقارب صالح ذوي الصلة الوثيقة بالرئيس السابق. ويتذكر اليمنيون حادثة قد تسلط الضوء علي هذا الموقف السياسي المعقد, إذ أنه حين كان مسئولون غربيون يخطبون ود هادي كقائم بأعمال الرئيس أقام أحمد نجل صالح وهو قائد الحرس الجمهوري في القصر الرئاسي مما اضطر هادي إلي ممارسة أعماله من مكتبه بوزارة الدفاع اليمنية!!! واضطر هادي للعمل في ظل صالح لذا لم يكن يوما لاعبا قويا ولا مستقلا في المشهد السياسي اليمني, بل ومازال البعض يشير إلي هادي علي أنه من زمرة صالح ورجاله الاوفياء له. شخصية هادي وقد نقلت رويترز عن مسئول حكومي من حزب الإصلاح الاسلامي وهو من أكثر الاحزاب المعارضة لصالح تنظيما عن هادي بأنه ذكي وله علاقات جيدة لكنه ضعيف سياسيا. وكانت المرة الأخيرة التي تولي فيها هادي منصب القائم بأعمال الرئيس في يونيو الماضي حين كان صالح يتعافي في مستشفي بالسعودية بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها عندما وقع انفجار في مسجد كان فيه بالمجمع الرئاسي. ومثل العديد من السياسيين البارزين في الحزب الحاكم باليمن, بزغ نجم هادي من خلال الجيش. وكان قد أرسل إلي بريطانيا عام ألف وتسعمائة وستة وستين لدراسة التكتيكات العسكرية بينما كانت عدن لاتزال مستعمرة تابعة للتاج البريطاني ثم عين في وقت لاحق وزيرا للدفاع. ودرس هادي أيضا العلوم العسكرية في مصر والاتحاد السوفيتي السابق حيث أعد دراسة عن استراتيجيات الدفاع في المناطق الجبلية. ونقلت رويتزر عن اللواء المتقاعد علي عودة الذي درس مع هادي في بريطانيا قوله إن هادي لم يكن يحب الحفلات مثل الشبان الاخرين عندما كان في بريطانيا. وأضاف أنه كان يقضي معظم وقت فراغه في المشي بالشوارع أو الذهاب إلي السنيما أو القراءة. وكانت قائمة الكتب التي يقرأها هادي تتضمن السير الذاتية لقادة عسكريين. وأضاف عودة أن هادي لم يبد طموحا وأنه كان شابا عاديا لكنه كان دءوبا جدا. ووصف بعض المحللين هادي بأنه قادر علي النجاة من المزالق السياسية ولذلك فمن المرجح أن يقصر توجهه علي تنفيذ خطة الاصلاح السياسي المتفق عليها. غموض نسبي لكن من النادر أن يظهر هادي في مناسبات عامة مما يعني أنه غير معروف بدرجة كبيرة للشعب اليمني وهي عقبة سيكون عليه تجاوزها لكي يحقق النجاح. وانعكس الغموض النسبي لشخصية هادي في تحليل نفسي له نشرته صحيفة الاضواء اليمنية خلال الشهر الحالي, إذ وصف هذا التحليل هادي بأنه مطبق الشفتين.. قلما يرد علي الهجمات بمثلها, أقصي مناه أن يترك لشأنه, صبور, كثير الاحتمال, يتظاهر بالبرود التام وقتا طويلا ثم ينفجر لاتفه الأسباب. أضاف التحليل أن هادي يهيج بين الحين والآخر هيجانا مريعا يجعله يندفع كالمجنون حاملا الخراب والدمار لكل من يعترض سبيله.