يصعب القبول باستمرار هذا الخلل الواضح والفاضح في الأداء الإعلامي, فنحن نعاني من حالة انفصام تزداد خطورة بمرور الوقت, والقاسم المشترك الوحيد الذي يجمع بين الإعلام الرسمي ونظيره المستقل هو المبالغة المفرطة والاعتقاد الخاطئ بالقدرة علي توجيه الرأي العام بل وخداعه وتضليله أن لزم الأمر!. في حلقة تليفزيونية تتشابه مع الغالبية العظمي من البرامج علي القنوات الرسمية, تتحدث المذيعة بطريقة غريبة أقرب ماتكون لبرامج الأطفال, واذهلني ماقالته في المقدمة الطويلة حول الأخلاق, وكيف أن ثورة يناير وضعت من ضمن أهدافها تصحيح الفساد الأخلاقي الذي استشري قبل الثورة ولكن مايحدث الآن والكلام علي لسانها يشير الي أخلاق جديدة علي المصريين, حيث العنف والرفض الدائم والمظاهرات المستمرة وغيرها من مظاهر تدق ناقوس الخطر من وجهة نظر المذيعة التي تتحدث بطريقة برامج الأطفال, والغريب انها بعد المقدمة اذاعت تقريرا حول الإعلان عن موعد النطق بالحكم في قضية مبارك, وطلبت من ضيوفها شرح التعامل الاخلاقي الأمثل مع الموعد وضرورة الالتزام بالسلوك الحضاري والهدوء التام حتي تعلن الأحكام.. بهذه الصورة الساذجة يجري التعامل مع القضايا المهمة وتستطيع أن تلاحظ بعض الكلمات الحماسية والآراء المباشرة التي باتت تصاحب التعليق علي الأخبار, كما كان يحدث في عصور الشيوعية والاشتراكية المنقرضة. علي الجانب الآخر لاتقل الملاحظات خطورة, ففي البرامج والتعليقات في وسائل الاعلام المستقلة يتسارع البحث حول ردود فعل الشارع بشأن المدة المتبقية قبل النطق بالحكم في قضية مبارك, وتنقل بعض الآراء الداعية الي المحاكم الثورية بل ويذهب البعض الآخر الي التشكيك في نوايا القاضي! في هذا المثال الواحد يمكننا القياس علي بقية القضايا والملفات, والمرفوض ذلك الأسلوب الساذج الذي يتعامل مع الشعب بطريقة برامج الأطفال, وأيضا الاعتقاد الخاطئ بامكانية الاثارة وتحريك الشارع من خلال البرامج المستقلة علي الفضائيات المثيرة للجدل في تمويلها وأهدافها. ولكن الجانب المشرق في القضية ان المواطن قد أصبح محصنا ضد هذا وذاك, ولديه رؤيته التي تتفق مع العقل الجمعي للجماهير, وهو العقل الذي يقود الجميع الآن.