قبل نحو تسعة أشهر ألح علي زميل لكي أشارك معه في إعداد دراسة حول موضوع' الصحافة في مصر'. في البداية, كنت مترددا ومستغربا هذا الاهتمام الشديد لدي حزين عمر, بمثل هذه القضايا المتخصصة. ولكنه شرح لي, بشيء من التفصيل وبهدوء الأعصاب المعروف عنه, أن الهدف من وراء إجراء الدراسة المزمعة ليس مجرد ترف معرفي لجمع بيانات حول الصحافة وتوثيق بعض معطياتها من الناحية التاريخية فحسب, وإنما هو جزء من مشروع أوسع يتركز حول رؤية بعيدة المدي لتحقيق أهداف الثورة المصرية. قبلت المشاركة في المؤتمر بعد أن اطلعت علي محاوره وحضوره, وقلت في نفسي كم نحن بحاجة ماسة في هذا الوقت, و الثورة المصرية في عامها الأول, إلي مثل هذا النوع من التفكير الإستراتيجي الإستشرافي لدراسة صور التكيف مع الاحتمالات التي يخبؤها المستقبل لديمقراطيتنا الهشة. تحمست للمشروع, وقلت إنه علينا الآن, دون استثناء, طرح موضوع الإعلام والصحافة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك, وبيان مدي التعفن المهني والأخلاقي الذي أصابه والذي يستدعي مراجعة صريحة وجادة حتي نستخلص الدروس والعبر, ونبني عليه مستقبلا حرا دون خوف من تراجع أو انتكاس. وإذا كان ثمة ما يسمي في العالم بالعدالة الانتقالية التي تهدف إلي معالجة ماضي انتهاكات حقوق الإنسان في الدول التي نهضت حديثا من الاستبداد, دون ثأر أو انتقام بغية الانتقال بشكل سلمي وغير عنيف إلي الديمقراطية وسيادة القانون, فإن الحاجة تقتضي في حالة مصر إلي صيغة مشابهة علي الصعيد الإعلامي. الخطوة الأولي في إقرار العدالة الانتقالية, كما في الصيغة الإعلامية المنشودة, هي الوقوف قبل كل شيء علي حجم الانتهاكات السابقة. وفي هذا المقام أيضا, لا بد من جرد حساب للمرحلة السابقة قبل أي كلمة عن الحاضر أو المستقبل. ليس مطلوبا إنشاء محاكم تفتيش أو نصب مشانق ولكن هناك شيئا اسمه تحديد المسئوليات حتي لا تتميع الأمور وتختلط. لا مفر من بسط كل الأوراق علي الطاولة حتي يعرف الرأي العام حقيقة صحفيي بلاده والتمييز بين النزيه وغيره. ونحن اليوم عندما نحتفل بعيد' الأهرام المسائي' الواحد والعشرين, لا نمجد الماضي أو نهيل عليه التراب, بقدر ما نناقشه من أجل لفت الانتباه إلي ضرورة التمييز بين هذين الصنفين من العاملين بالصحافة, ومن أجل أن لا تتحول مهنة الصحافة, إلي مهنة منقرضة, وحتي نحافظ علي هويتها, التي تحفظ لها مكانتها بين القراء.