تمثل ليلة الاحتفال بأول ذكري ليوم11 فبراير2012, نقطة تحول في الانتقال الثوري المصري, وفي ذكراها, فإن قلوبنا يملؤها الحزن نتيجة الاضطرابات الشعبية الأخيرة والعنف غير المبرر الذي أدي للخسارة المأساوية لأرواح بريئة. وكذلك لدمار بعض المنشآت العامة. ولهذا فقد شارك كل من الرئيس عبد الله جول ورئيس الوزراء رجب طيب إردوغان, بالنيابة عن الأمة التركية, الأحزان مع الشعب المصري والحكومة المصرية كما أعربوا عن عميق تعازيهم لأسر وأقارب ضحايا حادث بور سعيد في مصابهم الأليم. إن مصر تمر بعملية انتقال استثنائية نحو الديمقراطية, وفي هذا الإطار, فإن كل أصدقاء مصر يأملون بصدق أن تتوج هذه العملية بالوصول إلي نظام حكم جديد عادل ودائم ويمثل الجميع ويعبر عن مهد حضارة النيل وشعبها الجميل. ومن الواضح أن هذه العملية سوف تحتاج إلي بعض الوقت, حيث أن الديمقراطية هي نظام قائم علي القيم التي من الممكن فقط أن يتم تعلمها وبناؤها وممارستها, فهي ليست أمرا وراثيا. ومن أجل ذلك, فإنه من الطبيعي أن يكون الطريق للديمقراطية الدستورية مليئا بالمشاكل والاختلافات المؤسسية و الاجتماعية; أو من الممكن أن تأخذ العملية أطول من الوقت اللازم لها. ومن الممكن أيضا أن تكون هناك أوقات تجد فيها بعض قطاعات من المجتمع أنه من المؤلم التأقلم مع الوقائع والقواعد الجديدة والاعتياد علي ترك العادات القديمة. ولكن فإن التجارب الإنسانية علي مر القرون, أثبتت أن الوصول إلي الديمقراطية هو أمر لا يقدر بثمن, برغم كل ما تبذله الشعوب من تضحيات وثمن. وفي رأيي, فإن شعب مصر قد أثبت للعالم بأنهم يريدون تغييرا حقيقيا وأن هذا التغيير سوف يكون سلميا نحو حكم ديمقراطي يلائم المعايير العالمية., ولهذا فإن مصر في أثناء بناء ديمقراطيتها ترحب بمساهمات ومساندة أصدقائها عن طريق الشراكة والتعاون, وليس في شكل إملاءات أو محاضرات. إن الشعب المصري والقوي السياسية يتأهبون لتدشين عهد جديد... عقد اجتماعي من الممكن أن يعيد توحيد جميع أطياف المجتمع, ويعطي القوة للشعب ويعطيهم الضمانة المطلوبة والطويلة الأمد للحرية, الكرامة, والعدل, وصولا إلي الأمل في مستقبل مزدهر عن طريق إنعاش الاقتصاد بواسطة حكومة مسئولة وقوية. وأنا شخصيا أعتقد ان الأغلبية الكاسحة من الشعب المصري والقوي السياسية علي وعي تام بمسئوليتهم العميقة, وقد برهنوا علي ذلك سابقا أثناء انعقاد الانتخابات وأثبتوا للعالم أجمع أن الحكم الديمقراطي.. ليس امتيازا لبعض الآخرين ولكنه يبقي دائما الخيار السيادي الذي تجنح إليه مصر. ولكن, من اللازم أيضا أن يتفهم الفرد أن الطريق إلي الديمقراطية ليس بالطريق السهل أو القصير وأنه طريق سوف يستمر الشعب المصري ملتزما بالمضي فيه. علي المرء أيضا أن يتفهم أن الديمقراطية ليست الحكم المطلق للأغلبية, ولكنها الحكم بالأغلبية عن طريق الحوار والاتفاق واحترام الأقليات. وبمعني آخر, فإن قوة الديمقراطية تنبع في طبيعتها عن طريق عدم كبت أو تحييد أو إهمال رؤي الأقليات أو المعارضين ولكن عن طريق احترام واستيعاب هذه الرؤي. المجتمع يحتاج إلي رسم الخطوط الواضحة التي تفصل ما بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية, بطريقة تحمي وتضمن الحريات والحقوق والمسئوليات. وهذا هو ما تعنيه الديمقراطية. وأنا علي ثقة بأن مصر سوف تبني ديمقراطيتها الأصيلة عن طريق مواجهة هذه المخاوف والاستجابة لاحتياجات وتطلعات شعبها. والخلاصة النهائية, فإن فضيلة وقوة كل ديمقراطية تنبع من البيئة التي تنشأ بها عن طريق إرساء نظام تمثيل عريض وخلق توازن حقيقي داخل المجتمع. علي مر التاريخ, كانت دائما المفاتيح لمشاكل الحكم بالنسبة للإنسانية تمثلت في قطاعين أساسيين وهما الاقتصاد و التعليم. وبدون النجاح في هذين المجالين, سوف يكون الأمل في النجاح ضعيفا لأي حكومة; كما أن فرص بناء نظام ديمقراطي دائم سوف تكون محدودة جدا. علي مصر والحكومات المستقبلية أيضا أن يواجهوا هذه التحديات... فإن مصر تقع علي مفترق طرق في تاريخها المعاصر. الأمر سوف يستغرق عدة أجيال, كما أنه سوف يكون هناك المزيد من التضحيات التي يجب أن تبذل حتي يمكن الوصول لنهاية الصعاب والاضطرابات. ولكن ليس هناك طريق سهل, فالتقدم والتغيير يأتيان لهما دائما ثمن. أن الانتقال بمصر إلي القرن الحادي والعشرين كإحدي الديمقراطيات القابلة للتطبيق, لإعلاء الكرامة والحرية والعدالة كما تم الإعراب عنها أثناء ثورة التحرير, لهم كذلك ثمن. فالديمقراطية ليست بالمهمة السهلة. ولذلك, فإني لا أبخس من قدر التحديات الموجودة بالأفق. ولكني أظل كذلك متفائلا بحرص حيث أنني أؤمن بقوة إرادة الشعب المصري وقدرتهم علي الوصول. إن المناظرات المستمرة حاليا والتوتر وحتي الاحتكاكات المتفرقة, هي في الحقيقة أمر طبيعي, ولكن طالما استمرت في إطار سلمي. فالهدف الأعظم هو بناء نظام ديمقراطي حقيقي واسع الانتشار وتمثل الجميع, حتي لو كانت, في بعض الأوقات, غير مريحة أو حتي مؤلمة. لقد نهض نهر النيل مرة أخري, ولكن هذه المرة ليس ليفيض علي ضفتيه, ولكن ليحمل مصر للقرن الحادي والعشرين كإحدي الديمقراطيات اللامعة. وسوف تصنع الأمة المصرية التاريخ مرة أخري عن طريق توحيد قوات مجتمعها المتعددة, العامة منها والخاصة, الحضرية والريفية, الغنية والفقيرة, السيدات والرجال, لتصبح مثالا نابضا للعالم بثورتها السلمية التي فكت أسر الإبداع في كل القطاعات في المجتمع سعيا وراء ديمقراطية المشاركة التي تضمن النجاح المتواصل. سفير الجمهورية التركية بالقاهرة