خبر ترحيل عدد من الأسر من إحدي القري بسبب علاقة بين سيدة وشاب لا يأتي من الصومال أو افغانستان ولا باكستان لكنه يأتي من مصر, بلد الازهر اول جامعة تنويرية في التاريخ, للأسف أن ما يحدث في العامرية من تهجير قسري لمواطنين مصريين لهو بحق وصمة عار في جبين هذه الامة وسبة في تاريخنا وأخطر ما يواجهه الأمن القومي المصري حاليا, بل أخطر من أي شيء آخر. لقد خرجنا من نظام مبارك بمجموعة كبيرة من الأمراض الاجتماعية والممارسات التي تعود للعصور الحجرية, منها ما يعرف بمجالس عرفية لفض المنازعات في بعض المناطق. هذه المجالس التي تليق بمجتمعات بدائية تعيش خارج اطار الحضارة, ولا تعرف شيئا عن سيادة القانون وحقوق الإنسان, لكنها تعرف الحلول التوافقية والتي تبني علي الأهواء والأمزجة, لكننا في مصر لدينا قوانين وأنظمة والسؤال هو ما الذي يمنع الدولة من اعمال القانون بصرامة وحيادية واعتقال الجناة في أي جريمة كانت, وما هي المشكلة في القبض علي الذين سرقوا ونهبوا وأحرقوا بيوت جيرانهم, وتقديمهم للعدالة وتحميلهم, تكاليف إصلاح ما أفسدوه وإقرار العدالة والقصاص. كالعادة تعالت الأصوات أن الناس التي أحرقت وطردت الأسر المسيحية هي مجموعة من الجهلة ليس لهم علاقة بالدين, وأنه يجب اعتبار طبيعة القرية الصغيرة وأن ما قام به هذا الشاب مع مسلمة كان خطأ, وأن غياب الشرطة والجيش هو مبرر العودة الي قانون الغاب! ياللعجب فقد اتهمنا مبارك بان عهده شهد زيادة رهيبة في أعداد رجال الأمن, والآن نعيش في فوضي لأننا لا نري شرطيا في كل زاوية في مصر!! الكارثة أن هذا الاتفاق, الذي أعطي ظهره للقانون الذي يحكم العلاقة بين الأفراد ويحمي أرواحهم وممتلكاتهم, تم في ظل وجود شيوخ دين من السلفيين المفترض فيهم أن يرشدوا البسطاء إلي أن احترام القانون وعدم ظلم الناس تطبيقا لشرع المولي عز وجل. وإذا كانت الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع في مصر فيجب احترام القانون لأنه مستمد من شرع الله وسنة نبيه. هذا الحادث الجديد يشكك في نوايا هؤلاء في التوافق مع الدولة ويضع الأغلبية في مجلس الشعب أمام تحد أن تبرهن علي التزامها بمباديء القانون وحقوق الإنسان وعلي جديتها في الانخراط في مشروع دولة القانون الذي يسعي الجميع لبنائه الآن, وأن تتوقف فورا عن التورط في مجالس عرفية تعد اعتداء علي القانون ودوره في المجتمع وحماية أرواح المواطنين وأموالهم وممتلكاتهم. الوقت مازال ضيقا لرؤية التغيير في السلوكيات ولكن الذي يأمله الشعب المصري من اعضاء الاخوان الذين كافحوا80 سنة للوصول إلي سدة الحكم مع زملائهم السلفيين وأئمة المساجد والوعاظ أن يكونوا أول من يدعون لتطبيق القانون. فالتغلغل الذي يحققه هؤلاء علي الأرض في جميع قري ومدن مصر يمكنهم أكثر من غيرهم تغيير توجهات وأمزجة الشعب خاصة البسطاء نحو الوسطية وتوقف الاعتداءات الطائفية في مصر بأشكالها المختلفة, إذا كان هؤلاء هم من عانوا من اضطهاد النظام السابق لهم فلماذا لا يتضامنون الآن ويتحدون لإيقاف الجرائم التي يفلت مرتكبوها دون عقاب؟ فجريمة العامرية وقبلها جرائم كنيسة إمبابة وكنيسة صول, ووقائع قنا والتحريض الطائفي التي تأتي ضمن مسلسل العنف الطائفي, كلها جرائم يجب أن يقدم الجاني فيها للعدالة ولا يجب ان نتعامل معها كخلافات عائلية أو قبلية. مصر ليست باكستان, حيث نظام القبائل التي تحاكم أفرادها علي جرائمهم خارج القانون... مصر ليست دولة قبائل ومجالس عرفية, والعدالة لن تتحقق إلا بمحاكمة عادلة أمام القضاء الطبيعي للجناة والمحرضين ومثيري الفتنة في أي جريمة منسوبة لشاب مسلم أو مسيحي, التحريض والسرقة والنهب وحرق ممتلكات المواطنين جرائم وليست خلافا في الرأي!