والمساءلة تعني خضوع الشخص شاغل الوظيفة العامة لتحمل نتائج تصرفاته وتقديم تبريرات مقبولة وتحمل تبعات أي تقصير أو فشل في الإخلال بمقتضيات وظيفته, هي أكتب هذه السطور ومشاعر الحزن والألم تعصف بقلوبنا وتكاد تعطل عقولنا جراء ماحدث في موقعة بورسعيد, ورغم أنني مشجع أهلاوي لكن في هذه الظروف العصيبة تتواري كل الانتماءات امام الانتماء للوطن.وللجماعة المصرية, ويغلف هذا الانتماء سياج من الإيمان العميق النابع من القيم السامية للأديان السماوية واخص منها سماحة كل من الدين الإسلامي والدين المسيحي, وهذه المأساة المصرية التي توصم بالدونية الحضارية من شرذمة يقال عنهم مصريون, والمصريون منهم براء, بل هم شياطين الإنس الذين سيطر عليهم سلوك همجي بربري بدائي يصفه علماء النفس ب شيطنة الآخر, وهو سلوك ينتاب الفرد ويدفعه لإحداث ألم وإلحاق ضرر بالآخر يصل الي حد إزهاق روحه, والتلذذ بذلك الفعل اللاإنساني, وقد شاهدت الجمعة ليلا لقطات فيديو مصورة بكاميرا موبايل لشاهد عيان مناظر يشيب لها الولدان من ترويع مشجعي الاهلي وذبحهم وضربهم بآلات حادة, إنمالقطة الشيطان هي تلك التي يظهر فيها بعض القتلة وهم يجردون احد المشجعين الأبرياء من امتعته الشخصية اي حافظة نقوده وهاتفه المحمول قبل أن يجهزوا عليه, ولا اجد كلمات تصف تلك الهمجية التي ترتكب في بلدنا وفي القرن الحادي والعشرين, ولا أملك إلا أن أقول لله الأمر من قبل ومن بعد. وفي محاولة لإعمال العقل في هذه المحنة يمكن أن نرصد الأسباب التي تفسر هذه الواقعة المأساوية, ولكنني أركز علي ثلاثة أسباب رئيسية ولكن لا أعول كثيرا علي نظرية المؤامرة رغم أنها فرضية قائمة, ولكن المنطق الرشيد يدعونا لأن نسوق الأسباب التالية: الأول: التقصير الأمني الفاضح والإدارة الأمنية الفاشلة لهذه المباراة بداية من الفشل في قراءة مسبقة لمؤشرات الانذار المبكرة قبل المباراة مع التقصير في الاستخبارات الامنية مع سوء التعامل أثناء المباراة وناهيك عن الغياب المشبوه لمدة تقارب ساعتين ولاعبو وجهاز الأهلي يستغيثون من داخل غرفة الملابس في ظل غياب للأمن المفضوح وتركهم الباب المفتوح ليموت الولد وينجو المبطوح, والسبب الثاني: هو الإدارة العشوائية لمنظومة بل عفوا أقول' مخروبة' كرة القدم, وأقصد الاتحاد المصري لكرة القدم وهي مؤسسة غارقة في الفساد والمحسوبية, وبدواعي الخدمة التطوعية ورعاية مصالح مصر الكروية فهي خادم لمصالح شخصية, ولم يتدخل اي من أعضاء مجلس ادارة الاتحادبعد ما شاهدوه من اجتياح للملعب في استراحة بين الشوطين, أما السبب الثالث: ولعله السبب الأهم في تلك المأساة هو غياب المساءلة عن أحداث سابقة, وهي ظاهرة تأصلت في ممارسات العهد البائد عندما استحوذ الحاكم علي صلاحيات واسعة في غياب محاسبة عن التزاماته وماصاحب ذلك من تداخل الحزب مع الدولة, والتزاوج الفاسد بين السلطة ورأس المال, مما خلق شبكة عنكبوتية ضاربة في أوصال الادارة العامة من مجالس محلية ووزارات وهيئات واجهزة حكومية في غياب أية مساءلة بل ان المنتسبين لهذه الشبكة والمنتفعين منها ظلوا يحمون الفساد ويتسترون علي المفسدين بما أضر بمصالح العباد ونتج عن ذلك تدن بالغ في مؤشرات أداء المجتمع المصري وخاصة في مجال التنمية البشرية والمساءلة تعني خضوع الشخص شاغل الوظيفة العامة لتحمل نتائج تصرفاته وتقديم تبريرات مقبولة وتحمل تبعات أي تقصير أو فشل في الإخلال بمقتضيات وظيفته, هي بمثابة الميزان الذي يحقق التوزان المقبول بين, كون المساءلة هي الآلية التي تمكن المجتمع من التعرف علي مدي استخدام الحاكم لسلطاته الدستورية في الوفاء بالتزاماته تجاه مواطنيه, وأساليب تقويم الحاكم في حالة إساءة استخدام سلطاته علي النحو الذي أضر بالمصلحة العامة وحدوث تقصير منه في الوفاء بالتزاماته. وبالتالي فإن الشعب يريد مساءلة حقيقية للمتورطين في كارثة بورسعيد لأن في المساءلة الجادة وليست الصورية في مصلحة كل الأطراف, السلطة الحاكمة وأهالي الضحايا والمجتمع بصفة عامة, أي ان المحاسبة الحقة تعالج القصور الذي حدث وتدارك ما قد يقع من تقصير مستقبلا, فهي وقاية ودواء في الوقت نفسه من خلال آليات المساءلة القانونية والمساءلة البرلمانية والمساءلة الشعبية التي اكتسب فيها الشعب المصري قدرا كبيرا من الممارسة الحرة, والخلاصة أن المساءلة الحقة هي التي لا تقوم علي تصيد الأخطاء وإزكاء الانتقام بل من خلال مشاركة مجتمعية مسئولة تعلي قيم العدالة والمحاسبة الموضوعية, التي تقتص من الجناة والمفسدين في الأرض وذلك بموجب محاكمات سريعة للمتهمين وتنفيذ احكام القصاص التي تتناسب مع جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار وترويع الآمنين وليس فقط بموجب جرائم الضرب الذي أفضي الي الموت والتخريب والتجمهر وتعريض المنشآت للخطر وأن تتم المساءلة والمحاكمات الناجزة في إطار من التضامن الوطني والتكاتف الاجتماعي حتي نعبر هذه المحنة التي أصابت الوطن في مقتل لنكمل المسيرة الديمقراطية وتتحقق العدالة الاجتماعية عن طريق التعجيل بنقل صلاحيات ادارة البلاد لسلطة منتخبة وفي ذلك فليعمل المصريون ومن هذه المحنة يخرجون.