أود في البداية أن أقدم تهنئة لشعب مصر العظيم بمناسبة حلول الذكري الأولي لثورة25 يناير وقد كان عاما حافلا بالأحداث غير المسبوقة سياسيا وأمنيا وسلوكيا, ومع ما صاحب هذه الأحداث من بعض السلبيات والأضرار. لكن دعنا ياعزيزي القاريء نركز علي الايجابيات ومكاسب الثورة, وأهمها التحرر من قهر نظام سلطوي, ووضع رموزه في السجون, والمحاكمة التاريخية لرأس النظام, وتحرير فعل المصريين وانطلاقهم لممارسة دورهم لإنجاح التحول الديمقراطي من خلال انتخابات برلمانية نزيهة, ومحاربة الفساد, وقد كتبت عدة مقالات حول الشأن العام وأكدت علي تجاوز حالة الفوضي من خلال ادارة حازمة ثم تحقيق مصالحة وطنية شاملة لإعداد الدولة لاستكمال بناء المؤسسات والبنية الديمقراطية, ثم إحداث انجازات وطنية ملموسة اقتصاديا وسياسيا وتشريعيا وثقافيا. وقد بدأت مؤشرات تحسن الأوضاع الداخلية من حيث الأمن وجهود الحكومة الحثيثة من أجل معالجة العجز في موازنة الدولة من خلال تخفيض الانفاق الحكومي والبحث عن موارد اضافية وتشغيل المشروعات والطاقات المعطلة. وأتصور مع بداية العام الثاني للثورة أن نشرع في تبني ثقافة وممارسات الحكم الرشيد, وذلك قبيل انتخابات رئيس الجمهورية, حتي نبصر المواطنين بماهية الحكم الرشيد ومعاييره واستعراض التجارب الدولية في هذا المجال حتي يسترشد بها المصريون في اختيار الرئيس القادم, وسأقوم بهذا الاجتهاد انطلاقا من واجبي الوطني وكرد جميل هذا البلد وذلك من خلال سلسلة مقالات عن الحكم الرشيد, حيث استشعر مثل غيري من المواطنين أن جسر العبور لمستقبل أفضل هو الحكم الرشيد, لأن تجربة المصريين مع الحكام في العصر الحديث كانت مشوبة بالتشكك وعدم الثقة وقد تسبب هؤلاء الحكام في كثير من المآسي التي تجلت في سنين عجاف صاحبها القهر والتسلط واستنزاف ثروات الوطن, ودخول حروب وسياسات متهورة نتج عنها احيانا احتلال بعض من تراب الوطن, ناهيك عن التفريط في حرية القرار المصري, وامتهان كرامة المواطنين وتجريف دعائم التنمية البشرية من تعليم وصحة وثقافة واعلام وحقوق انسان, وأصبح المصريون غرباء في ديارهم وأنهم ليسوا الأولي بالرعاية, حيث أصبح الأجنبي هو الأولي بالرعاية علي حساب ابن البلد وهو وضع معكوس وليس له مثيل في دول العالم المحتضر. وقد لخص اثام الحكام وحاشيتهم الشاعر المبدع جمال بخيت عندما قال فيهم في المعاصي... موجودين, في الكراسي مأبدين..... في التفاهة معدودين... في السفاهة مفرودين, علي البلاهة مسنودين..... للشراهة مجندين, علي القرف متعودين, علي الشرف متمردين...... علي الوطن متنمردين, وبالخيانة موحدين. والمتتبع للتجربة الانسانية مع الحكم, يستطيع ان يستخلص منها سعي الانسان الدءوب علي مر العصور وفي كل الحضارات نحو الحكم الرشيد من خلال آليات وأساليب متنوعة تتوافق مع طبيعة كل عصر وتتلاءم مع خصائص كل ثقافة. فما هو الحكم الرشيد؟ وما هي دواعي تبني هذا المنهج وتطبيقه في مصر؟ وبمراجعة الأدبيات المتاحة في مجال الحكم الرشيد المستقاة من التجارب الدولية واصدارات الأممالمتحدة والبنك الدولي, يمكن القول بأن الحكم الرشيد هو منهج عصري لإدارة الدول من خلال سلطات منتخبة وأطر مؤسسية تشريعية وسياسية واقتصادية تلتزم بمراعاة الصالح العام والمشاركة المجتمعية بما يحقق رضاء المواطنين وتحقيق التنمية المستدامة. وانطلاقا من هذا المفهوم للحكم الرشيد يمكن تحديد أهم الأسباب التي تبرر الأخذ بهذا المنهج ومنها: 1 نضج الشعوب ورفضها للممارسات القهرية والأساليب الاستبدادية في الحكم, حيث أظهرت التجارب الانسانية صورا مأساوية لمعاناة الشعوب جراء الطغيان والحكم غير الرشيد. 2 العولمة الثقافية التي أدت إلي انتشار قيم الشفافية والمساءلة والعدالة الاجتماعية والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطات وحقوق الانسان وتمكين المرأة. 3 وجود علاقة ارتباط قوية بين النهضة الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية وبين سيادة الحكم الرشيد الذي يشكل اطارا مواتيا لجهود التنمية المستدامة, بما ينعكس علي مستوي الرفاهية العام وتحسين جودة الحياة. 4 تحقيق مستويات عالية من الكفاءة في إدارة وأداء المؤسسات العامة والتركيز علي خدمة المواطنين والنظرة الايجابية لهم بدلا من النظرة الدونية لموظفي الخدمة المدنية والتعالي علي المواطنين وتعطيل مصالحهم. 5 تقليص ظاهرة الفساد بكل صورها السياسي والمالي والثقافي والإعلامي, حيث لا مجال للفاسدين وممارساتهم في ظل الحكم الرشيد الذي يضع آليات لكشف الفساد ومحاربة المفسدين. 6 يتيح الحكم الرشيد لأولي الأمر أن يكون لهم رؤية استراتيجية في ادارة مقدرات الدولة من خلال خطط طويلة الأجل وحسن تخصيص الموارد وصنع السياسات واتخاذ القرارات الرشيدة. ونخلص إلي أنه ما أحوجنا في مصر الآن إلي الأخذ بمنهاج الحكم الرشيد واستكمال أركانه وتطبيق معاييره وآلياته بما يستنفر طاقات الأمة ويحرر أفعال المصريين الذين يتوقون إلي الحرية والديمقراطية بعد عقود عجاف من القهر والديكتاتورية. أستاذ إدارة الموارد البشرية بجامعة حلوان [email protected]