أكتب اليوم عن أولئك الحكام الذين يحبون كل صور النفاق ويزرعون في الأمة الشقاق ويخرجون عن الناموس والسياق ويجرون علي رعاياهم المشاق, ويا ويلهم يوم تلتف الساق بالساق. هؤلاء الحكام يتعامون عن حركة التاريخ ولايقرأون تجارب الأمم الأخري, وتذكرني السنوات العجاف قبل ثورة25 يناير المجيدة, ومبادرات شباب مصر بإطلاق شرارة الثورة بذلك العمل الإبداعي من الأدب العالمي وأعني قصة ثياب الامبراطور الجديدةTheEmperor,snewClothes للكاتب الدنماركيHansAndersen وتتناول القصة حكاية إمبراطور كان مولعا بالثياب الجديدة والأنيقة ويبدد أموال الدولة علي ترفه وملابسه ليبدو أنيقا دائما ولايهتم بشعبه ولا باحتياجاته لذلك كان يفرض الضرائب علي الرعايا كلما فرغت خرينة الدولة. وذات يوم أعلن الامبراطور عن جائزة مالية قيمة لمن يصمم له ثوبا جديدا ليرتديه في الاحتفالية القادمة, فأتي اثنان من النصابين وكانا عابري سبيل, وصمما له ثوبا وهميا, واقنعاه بجمال الثوب, وفي الليلة السابقة لموكب الاحتفال تظاهر النصابان بأنهما مشغولان في قص القماش وخياطة الملابس, وفي الصباح طلبا من الامبراطور أن يخلع ملابسه كلها وألبساه الملابس الجديدة. وفي طريق الموكب كان الناس يحيونه ويصفقون إعجابا بأبهي حلة ارتداها الامبراطور. ولكن فجأة صاح طفل صغير: ولكن الامبراطور لايرتدي شيئا. فصرخ فيه والده وزجره قائلا: لاتلقوا بالا لما يهذي به هذا الطفل الأرعن وهنا استجمع الناس شجاعتهم, وبدأ بعضهم في التصريح بما يري... وصل صياحهم لأذني الامبراطور لأول مرة, وحينئذ فقط أدرك الإمبراطور أنهم علي صواب..ولكنه وبغبائه المعروف وعناده المعتاد..كان قد تابع موكبه الكبير دونما اكتراث.. وذلك في محاولة منه للمحافظة علي هيبته رغم تغير الظروف. لعلك يا عزيزي القاريء قد أدركت دلالات هذه القصة الرمزية وأدعي الآن أنك تقوم بربط أحداث وشخوص القصة بالمشهد المصري بداية من تنامي حركة الاحتجاجات معبرة عن حالة السخط العام علي السياسات القمعية والممارسات القهرية التي اقترنت بفترة النظام البائد, وأستأذن قرائي الكرام في أن نستخلص معا الدلالات والمعاني التالية من هذه القصة المعبرة: 1 سهولة خداع الحاكم الأحمق اما لغبائه وأنه غير جدير بحكم الشعب, أو لأنه يتعامي عن الحقائق ويتقبل النفاق وقد يفسر ذلك بهشاشة النظام الذي يبدو أنه قوي من خلال قبضته الحديدية, ولكن ينخر فيه الفساد وعوامل الوهن التي تضعف أركانه.2 لماذا أحجم البالغون عن التصريح للامبراطور بحقيقة أنه لايرتدي ثيابا؟ وقد يفسر ذلك بطغيان البيئة الأمنية القمعية, وإحساس البالغين بانهم مسئولون عن إعالة غيرهم وبالتالي أقل تحمسا للتغيير ويبدون أكثر ميلا للتسليم بالأمر الواقع بالاضافة الي الطبيعة المتسامحة للشعب المصري الذي يصبر علي الحكم الظالم خمسين سنة ويقول دول فكة 3 لماذا صاح الطفل الصغير وعبر بشجاعة عن الحقيقة؟ولعلكم قد ربطتم بين الدور الرمزي للطفل في قصتنا وبين الدور البطولي لشباب مصر الذي لم يخش أي عواقب وواجه البطش والجبروت بالشهادة والموت. 4 أن حاشية السوء قد حجبوا الحقيقة عن الحاكم وذلك حفاظا علي مصالحهم وارتباط مصائرهم بعنق الحاكم الظالم, وهذا ماتم في الدائرة الفاسدة والخبيثة التي أحاطت بحاكم مصر الفاسد قبل ثورة يناير وكان السجن مصيرها5 أن هناك طبقة من المنتفعين بوجود الحاكم الفاسد والذين يزينون له المفاسد بحجة رفع المعاناة عن الجماهير ويتمثلون في مجموعة من الصحفيين ورجال الأعمال ورؤساء النقابات وأعضاء المجالس المحلية. 6 أن الحاكم المتجبر غالبا ما تأخذه العزة بالإثم ويتمادي في طغيانه ويتعامي عن الحقيقة ومايدور حوله, ظنا منه انه يستطيع خداع الشعب لكل الوقت, وهذا ماحدث من يوم25 الي لحظة التنحي يوم11 فبراير. إن الرسالة التي يمكن التأكيد عليها هي أن الحاكم الظالم وغير الرشيد, يسعي لتكوين حاشية تنافقه وتسمعه ما يود سماعه, وتحجب عنه حقائق الأمور ولن تمنع المصير المحتوم, بل قد تطيل فترة البطش وتزيد من معاناة الناس, ولايقل خطرا عن نفاق الحكام نفاق العوام, ولعل نفاق الجماهير يمثل أحد أسباب إخفاق حكومة د. عصام شرف وهو الذي بدأ شخصيا بمداهنة الجماهير والانسياق لصوت الشارع غير الرشيد, ذلك أن مسايرة مشاعر العوام ورغاباتهم الجامحة غالبا مايفقد صانع القرار الرؤية الموضوعية وينحرف به عن الطريق القويم والإصلاح المنشود, وأري أن يكون منهجنا في إحداث تغيير جوهري إيجابي في الموقف أن يتوقف المسئولون عن نفاق الشعب وان يهدأ الثوار كي يبنوا الأمجاد بعد أن نجحو في هدم فساد الامبراطور, الذي عشق الثياب الجديدة علي حساب معاناة شعبه الشديدة. أستاذ إدارة الموارد البشرية بجامعة حلوان [email protected]