بعد احتراق المجمع العلمي وعدد من المباني التراثية في الاحداث الاخيرة ثارت عدة أسئلة حول الشروط والمعايير التي تجب مراعاتها في اعادة تعمير وترميم المباني التراثية للحفاظ علي قيمتها الاثرية والعلمية وحول الاجابة عن هذه الاسئلة يدور هذا التقرير. في البداية تقول الدكتورة سهير حواس رئيسة الادارة المركزية لجهاز التنسيق الحضاري ان ترميم هذه المباني مسئولية المجلس الاعلي للاثار وهو يضم خبراء في الترميم كما ان لديه قوائم بالمكاتب صاحبة الخبرة في الترميم والتي يمكن ان تنفذ هذه العمليات حسب المواصفات بكل دقة من هنا فان الترميم ليس مشكلة علي الاطلاق. ولكن هناك مشكلة اساسية في البيوت التراثية التي تحتاج للترميم حيث انه وفي معظم الاحيان تكون مشغولة بالسكان الذين لايعرفون قيمتها التاريخية ويتعاملون معها معاملة سيئة تعرضها للدمار. وهناك مشكلة اخري ان هذه المباني ليست محصورة حصرا دقيقا او لاتوجد قوائم بها وهذه المشكلة اخذت طريقها للحل بعد صدور قانون حصر المباني التراثية رقم144 لسنة2006 وقانون التنسيق الحضاري119 لعام2008 لتنظيم عملية تسجيل هذه المباني التراثية. وأكدت سهير حواس انه يجب ألا يتم العمل في مبني مسجل دون مراجعة جهاز التنسيق, والجهاز يقر الترميمات التي تتطابق مع طبيعة المكان, ولو كانت هناك تعديلات داخلية يجب علي القائمين عليها الاستعانة باللجان الدائمة للحصر, ويراجع الجهاز الاعمال التي من شأنها التعامل مع الشكل الخارجي للمبني. ويؤيد دكتور عبدالحليم نور الدين استاذ الآثار رأي حواس أن المنشآت التراثية أو المقار الحكومية مثل مجلس الشعب ومجلس الشوري لها صفة الاثر, فبها عناصر معمارية وخزفية تمثل قيمة معينة, واذا أردنا إعادة صياغة مضمونها لايكون بتغيير الاعمدة والجدران ولا بإضافة قطع جديدة للمكان وتغيير لون دهانه الاصلي, مثل ماحدث مع قصر عابدين وجامع الازهر. ويشير إلي وجود مايسمي بلجان الآثار العربية التي تمر علي المواقع الاثرية لتضمن سلامة ترميمها بدعوة من الجامعة العربية أو بمبادرة من احدي الدول العربية أو مؤسسات ثقافية, وتسجل هذه الزيارة في وثائق بوصف تفصيلي للاثر, وهذه الوثائق مانحاول الاستفادة منهاوالسؤال الذي يطرح نفسه هنا من المسئول عن متابعة أعمال الترميم والتطوير, كما أن من يتولي أعمال الترميم عليه أن يقدم نموذجا من لون الدهان الاقرب للمنشأة الاثرية. كما اشار د. مصطفي أمين استاذ الاثار إلي أن المجلس له اسلوبه الخاص في التعامل مع الاثار, الاسلامية والقبطية وغيرهما طبقا للقانون, طالما أنها معدة كأثر وخاضعة للاصول المعمارية والاثرية, لافتا أن أساس التعامل معها يكون بالاعتماد علي الوثائق والمواد الطباعية, وعند التنفيذ يكون العمل بمواد تتطابق مع خامة الاثر, وعندما يتم اتخاذ قرار بترميم أثر نقوم باعداد دراسة عنه كله وعن إحتياجاته, ومايجب أن يتم من ترميم معماري أو زخرفي. وتعتمد هذه الدراسة من أحد الاستشاريين, ثم يطرح المشروع علي الشركات التي تعمل في هذا المجال. تغيير ذاكرة المدينة جريمة يعاقب عليها القانون ويقول المهندس الاستشاري صلاح حجاب أن يعتبر المبني الاثري عن قيمة تراثية تحمل في طياتها ذاكرة المدينة البصرية والتاريخية, والعبث في تلك المباني أو احراقها هو عبث في ذاكرة مصر. وهناك مايسمي بالذاكرة البصرية وهي التي تعبر عن شكل الاثر الذي لايتغير أبدا, وهناك الذاكرة الوظيفية والتي تعبر عن ماهية المكان ووظيفته, فيمكن أثناء الترميم تطوير وظيفة المكان إن كان ذلك يسمح, لذا مثل هذه المباني ذات القيمة المعمارية يجب أن نحافظ عليها دون أن نمس قيمتها البصرية والوظيفية. ولم يخف المعماري زايد راجح انزعاجه الشديد من الانتهاكات التي تحدث للمباني التراثية, مؤكدا أن المبني التراثي هو ذاكرة المدينة, فيجب أن يظل كما هو, ولايعقل أن يأتي كل جيل ليغير في شكل المباني التراثية علي مزاجه الشخصي. ويضيف قائلا أننا اذا رصدنا حركة الترميم في مصر بشكل عام في الحقبة الاخيرة سنجدها جيدة, إذ انتقلنا من ترميم المبني إلي ترميم حي كامل مثل شارع المعز والدرب الاصفر, لكن هذا ليس بالدرجة الكافية, مازالت هناك في مصر بانورامات عمرانية هائلة لم ينظر إليها, مثل ميدان القلعة وهو من أكثر الميادين روعة خاصةالجزء القريب من مسجد السيدة عائشة, وأيضا شارع الصليبة الممتد من ميدان السيدة زينب حتي ميدان القلعة ويمكن إنقاذ مايمكن إنقاذه من هذه الشوارع بإعادة الحيوية التراثية إليها, كما حدث في المعز, لكن هناك حالة تخبط وتدمير تمر بها مراحل ترميم المباني التراثية في مصر.