ستون في المائة من دول العالم تقريبا رسبت رسوبا يبدو مدويا في اختبار النزاهة والشفافية والنظافة من الفساد الذي تجريه منظمة الشفافية الدولية كل عام لرصد مدي استشراء ما يوصف بالفساد السرطاني. المتهم ضمن عوامل اخري بالمساهمة في اهتراء النسيج السياسي والاقتصادي والاجتماعي العالمي بشكل ربما لم يسبق له مثيل. الربيع العربي والفساد وقد شكل الربيع السياسي العربي في جوهره وفق هذه المنظمة التي تتخذ من برلين مقرا لها سلسلة من اقوي سلاسل الثورات الجماعية المتتابعة ضد ظاهرة الفساد في تاريخ العالم الحديث. فالدول التي اندلعت فيها هذه الثورات تعد وفق مؤشر مدركات الفساد الذي تتبناه منظمة الشفافية الدولية من اكثر دول العالم فسادا بصورة قيل انها عرقلت تطور مسيرتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وجعلتها بمرور الزمن معاقل لثلة من أعتي الانظمة الديكتاتورية والبوليسية في العالم. فقيمة الرشاوي وحدها التي جري دفعها في الدول العربية خلال نصف قرن فقط بلغت أكثر من تريليون دولار حسب تقديرات المنظمة العربية لمكافحة الفساد, فيما يشكل ما يوصف بزواج السلطة والثروة, الرمز الأكبر للفساد السياسي والاقتصادي علي الطريقة العربية. ومازال الشطر الاعظم من العالم العربي يرزح عند الدرجات الدنيا من السلم العالمي للشفافية والنزاهة حسب تقديرات منظمة الشفافية الدولية. اكثر من ذلك كان الفساد احد الجذور الكبري للازمة المالية والاقتصادية العالمية ولازمة الديون السيادية التي تعصف حاليا بمنطقة اليورو.. ولم لا وقد تبين ان دولا مثل اليونان تلاعبت في حساباتها القومية كي تنضم سريعا لليورو, وكيف لا وقد وصلت قيمة الرشاوي التي تدفع علي مستوي العالم إلي أكثر تريليون دولار سنويا أو هكذا يقول البنك الدولي. الفساد والعالم الثالث وثمة قصة خطيرة لسرطان الفساد مع الدول النامية وعلي رأسها العربية فهذه الدول تتمتع بكم هائل من الثروات والموارد الطبيعية, ورغم ذلك فان نسبا كبيرة من شعوبها تصل في بعض الأحيان إلي خمسين في المائة ترزح تحت خط الفقر أو تحت خط الفقر المدقع. وعلي الرغم من ان سرقة اموال الشعوب ظاهرة تعود بجذورها إلي آلاف السنين, لكنها في العقود القليلة الأخيرة بلغت حدا كبيرا من التفاقم بحيث لم يعد ممكنا ابدا حجب الحقائق عن الشعوب التي تشعر الآن بشكل مباشر أكثر من اي وقت مضي بوطأة هذا الفساد وتأثيره السلبي علي حياتها وظروفها المعيشية. مثلث الفساد والفقر والاستبداد والفساد يشكل ضلعا في مثلت ضلعاه الآخران هما الفقر والاستبداد, ومن ثم فهو اكثر انتشارا في البلدان النامية خاصة تلك ذات الاقتصاديات الخاضعة للحكومات الاستبدادية. فوفقا لتقرير منظمة الشفافية الدولية الصادر في عام2008 فانه يشكل واحدا من أكبر التحديات التي تعترض الحكم الرشيد والتنمية وجهود الحد من الفقر. وقد اظهرت دراسات كثيرة ان الفساد يستشري كنتاج لمزيج من البيروقراطية وعدم الكفاءة الاقتصادية وهو الأمر الذي يسمح في احيان كثيرة بزواج السلطة والمال كما اسلفنا. وقد قال احد الخبراء الاقتصاديين الصينيين لصحيفة واشنطن بوست في هذا الصدد إن الحكومات لديها القوة وان المستثمرين لديهم المال, وهما يتحالفان معا لجني جميع الفوائد. تريليونات الفساد ويختلف الخبراء في تقديرهم هم للأموال الناجمة عن الفساد بكل صوره والتي يجري غسلها وتهريبها إلي الخارج باتجاه ما يعرف بالملاذات الآمنة, وعلي رأسها البنوك السويسرية التي يقدر الخبراء ان بنوكها بها ما يتراوح بين تريليون وتريليوني دولار من الأموال التي جاءت من مصادر غير مشروعة, حيث يدخلها سنويا نحو750 مليون دولار, ليتم غسيلها حسب تقديرات منظمات دولية. هذا كله إلي جانب ملاذات آمنة اخري تستقبل الأموال المغسولة علي رأسها لوكسبمورج, وإمارة موناكو والنمسا وجمهورية التشيك, وجزر كايمن وإسرائيل التي يعتقد علي نطاق واسع ان لديها الآن مليارات الدولارات التي نهبها رجل الأعمال الهارب حسين سالم الصديق المقرب للرئيس المخلوع حسني مبارك. وفي إطار الاختلاف بين الخبراء والمنظمات فإن التقديرات تتراوح في هذا الصدد بين تريليون و3 تريليونات دولار سنويا, وهو مايعادل15% من اجمالي قيمة التجارة العالمية. ويقدر تقرير لمنظمة الشفافية الدولية اجمالي الاموال غير المشروعة المهربة للخارج علي مستوي العالم كله بترليوني دولار كان نصيب القارة الآسيوية منها44 بالمائة مقابل17 بالمائة لمنطقة الشرق الأوسط و17.7 لاوروبا الشرقية و4% في افريقيا, مشيرا إلي ان الصين تحتل صدارة الدول في هذا الشأن تليها المكسيك وماليزيا. ووفقا لدراسة مؤسسة النزاهة المالية العالمية جلوبال فاينانشال انتجريتي, وارقام بنك التسويات الدولي منظمة دولية تنظم وترعي التعاون النقدي والمالي وتقدم خدماتها للبنوك المركزية لدول العالم, فإن حجم الاموال المهربة قد يقدر ب1000 مليار دولار سنويا حول العالم في وقت يري الخبراء أن هذا المبلغ هو اقل بكثير من الرقم الحقيقي, اذ ان التقديرات المعلنة تعتمد علي ارقام رسمية, بينما ما خفي كان اعظم. وفي مؤتمره الذي عقده أخيرا في دبي حول مكافحة غسل الاموال غير المشروعة, قدر اتحاد المصارف العربية ان حجم الاموال المغسولة سنويا تقدر بما لايقل عن5% من اجمالي الدخل القومي العالمي و8% من حجم التجارة الدولية اي بما يعادل3 تريليونات دولار, اذ تأتي صناعة غسل الاموال في المرتبة الثالثة عالمية من حيث الحجم بعد تداول العملات وتصنيع السيارات, كما قدر المؤتمر نصيب العالم العربي من غسل الاموال وتهريبها بنحو25 مليار دولار سنويا, أو مايعادل2% من الناتج العربي الاجمالي العربي البالغ1.2 تريليون دولار. الاموال المهربة وفي تقرير لمؤسسة جلوبال فاينانشيال انتيجريتي الصادر العام الماضي, فان نصف حجم الاموال المهربة من قارة افريقيا تم تهريبه من ثلاث دول عربية, هي مصر والجزائر والمغرب, حيث تتصدر هذه الدول قائمة اسوأ خمس دول افريقية من حيث تهريب الاموال غير المشروعة. تدمير المجتمعات: هناك من الخبراء من يعتبرون الأموال الناجمة عن الفساد جزءا مهما من السيولة في الانشطة الاقتصادية, في إشارة غير صحيحة لاحتمال وجود فائدة غير مباشرة لاموال الفساد في تحريك النشاط الاقتصادي. ولكن الثابت علي أرض الواقع ان للفساد وما يتبعه من عمليات تهريب وغسل للأموال اثارا مدمرة علي المجتمعات. وتؤدي عمليات خروج الأموال إلي الخارج في سلسلة حلقات غسل الاموال إلي زيادة العجز في ميزان المدفوعات, وحدوث نزيف في النقد الاجنبي يهدد الاحتياطيات لدي البنك المركزي من العملات الحرة. كما يترتب علي غسيل الدخول غير المشروعة حدوث تشوه في نمط الانفاق والاستهلاك, ما يؤدي إلي نقص المدخرات اللازمة للاستثمار وحرمان مجالات النشاط الاقتصادي المهمة من الاستثمار النافع للمجتمع. وهناك دراسات تشير إلي ان غسل الاموال يؤدي إلي انخفاض الانتاجية بنسبة27% في المتوسط. ويؤكد الخبراء ان الفساد يعوق التنمية, فوفقا لتقرير صندوق النقد الدولي الصادر في عام1998 بعنوان الفساد حول العالم فإن الفساد هو الأكثر تأثيرا في منع النمو الاقتصادي وحجب وصول ثمار النمو إلي الشعوب, كما انه اكثر العوامل احباطا لجهود الاصلاح الاقتصادي والسياسي في الدول. للفساد أبواب: وتعد وسائل الفساد وتهريب الاموال المنهوبة من الكثرة بحيث يصعب احصاؤها, وفيما يلي البعض منها: * ضعف الإجراءات الرسمية وتواطؤ السلطات في الممارسات الفاسدة. * مجال المزادات والمناقصات الحكومية وغير الحكومية ومجال العقود والتوريدات الحكومية وغير الحكومية الهائلة وما يتبعها من عمليات تزويد الاسواق بالسلع والمنتجات والخدمات. * انظمة الضرائب المتداعية. * انشطة تهريب السلع والمنتجات المستوردة عبر الحدود دون دفع الرسوم. * انشطة السوق السوداء والتي تحقق منها دخول طائلة للمتعاملين فيها بالمخالفة للقوانين الدولية مثال ذلك: * المتاجرة في العملات الأجنبية في الدول التي تفرض رقابة علي معاملات النقد الأجنبي, ومثل السلع التي تعاني البلاد نقص المعروض منها بالنسبة للطلب عليها مايؤدي إلي ارتفاع أسعارها بما يتجاوز ضوابط تسعيرة الدولة. * الفساد السياسي مثل فساد اعضاء البرلمان واستخدام الحصانة في التربح من العمل السياسي أو التهريب للسلع المستوردة. * التقاليد البيروقراطية والتي تؤدي عادة إلي طبقة موظفين منتفعين من التعقيدات الإدارية ويحصلون علي ثمن مقابل تقديم تسهيلات, وفي المقابل يغضون الطرف عن الشروط والإجراءات المقررة لصالح الدولة والشعب. * الرواتب المتدنية للغاية في القطاع الحكومي تجعل العاملين فيه أكثر ميلا للتربح بشكل غير شرعي من وظائفهم. * ضعف نظام العقوبات * غياب قواعد الافصاح والشفافية في عمل أجهزة الدولة وكبار المسئولين فيها. * صمت الدول الكبري علي الرغم من علمها بالسرقات التي تحدث للشعوب النامية. وسائل تهريب الأموال وكما للفساد ابواب عدة فإن لتهريب الاموال الناجمة عنه وسائل عدة يصعب ايضا حصرها وفيما يلي عدد منها: * شراء اسهم لحاملها أو سندات لحاملها, وهي من اسهل الطرق لاخفاء الأموال, اذ يظل اسم المشتري مجهولا. * الاستعانة باشخاص مجهولين في مجتمع المال والأعمال لنقل الأموال والممتلكات والعقارات بأسمائهم مع أخذ الضمانات الكافية عليهم مقابل حصولهم علي النسبة المقررة. التلاعب بفواتير السلع المصدرة أو المستوردة, اذ ان مايعرف بسوء التسعير يشكل الوسيلة الأكثر استخداما لتهريب الأموال خاصة في الدول العربية, ويؤدي هذا الاسلوب عادة إلي تهرب ضريبي يكلف الدول خسائر مالية كبيرة, إلي جانب ذلك فانه قد يتم تسجيل رقم متفق عليه بين تاجرين من دولتين مختلفتين في الفواتير مع الاحتفاظ بهامش من المبلغ خارج الفاتورة يودع في حسابات خارجية. * مايعرف بصناديق الاوفشور التي تعمل في السوق المحلية, ولكن بأكواد اجنبية لاتخضع لرقابة سوق المال, هذه الاكواد الأجنبية يحصل عليها رجال اعمال ومسئولون محليون حتي يتمكنوا عبرها من تهريب الاموال للخارج باعتبارها استثمارات اجنبية تخرج من السوق بشكل طبيعي, كما انه يمكن لهؤلاء انشاء صناديقهم في الخارج لتحمل صفة الاجنبي ومن ثم تدخل السوق وتقوم بعمليات نقل الأموال إلي الخارج وفق نظام الاوفشور والغالب ان هذه الصناديق لاتخضع لقواعد افصاح منضبطة وصارمة. * شراء المشغولات الذهبية بالأموال المراد تهريبها من اسواق دول وتحويلها إلي سبائك ذهبية ونقلها إلي مناطق اخري. * الاختلالات في النظام المصرفي تساعد علي تهريب الأموال بالتواطؤ مع الحكومة التي تعين رؤساء البنوك وفي هذا الاسلوب يقوم موظفو البنك بتسهيل قبول الايداعات الكبيرة مقابل انتفاع شخصي لهم, مع عدم ابلاغ السلطات الأمنية عن ذلك, هذا كله إلي جانب اسلوب التحويل من بنك إلي آخر, وهو اسلوب يحتاج إلي تواطؤ داخلي بين البنوك, حيث يتم من خلاله تحويل الأموال غير القانونية من بنك إلي آخر بوصفها اموالا قانونية.