أستاذن قرائي الكرام في التوقف مؤقتا عن كتابة مقالات الإدارة المصرية وذلك لأن الأحداث الجارية تفرض علينا مزيدا من الاهتمام بالشأن العام, ومحاولة إعادة الاتزان الفكري والوجداني للعقل الجمعي المصري. ولا أجد في هذا المجال أفضل من العمل علي ترسيخ ثقافة الاختلاف الغائبة في خضم الأحداث وعلو الأصوات, مع حسم الخلاف الذي كاد يعصف بمقدرات الأمة من خلال تنامي سلوكيات بغيضة مثل التربص والتخوين وعدم التسامح. وبغض النظر عن المعني اللغوي للفظين فهناك إجماع علي أن معني الاختلاف ينصرف إلي التباين بين البشر في الأعراق والقدرات والثقافات والدرجات وكذلك الاتجاهات والدوافع والإدراكات ومن نعم الله علينا أن خلقنا مختلفين انطلاقا من حكمته الالهية في التنوع المحمود والتفاوت المقصود حتي نتعاون ونتراحم, أما الخلاف فينصرف الي معاني النزاع والشجار والصراع, وقد جاء في سورة الأنفال ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم... وفي رأيي أن الاختلاف نابع من التباين في الرؤي والاتجاهات حول وسائل وأساليب تحقيق الأهداف والغايات بينما يجنح معني الخلاف الي الشقاق والفرقة حول المقاصد والغايات ذاتها, وعلي ذلك فإن الاختلاف يوحي بالتنوع والتناغم, وقد جاء في سورة فاطرفأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وكذلك قوله تعالي ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم والوانكم أما الخلاف فمعناه مشتق من خالف أي عارض ومن ذلك ماورد بسورة النور فليحذر الذين يخالفون عن أمره. وإذا نظرنا الي الحالة المصرية الراهنة يمكن القول بأن ثقافة وسلوكيات الاختلاف قد تجلت بوضوح بداية من يوم25 يناير حتي11 فبراير, فقد كان هناك تباين وتنوع جميل في ثوار ومتظاهري ميدان التحرير, وقد رسموا لوحة فسيفساء بديعة بين الذكور والإناث والمسلمين والمسيحيين والشباب والكبار والعامل البسيط مع استاذ الجامعة, والصعايدة بجوار الفلاحين وفتيات من أسر متوسطة أو فقيرة بجوار أخواتهم من الطبقات الاوروستقراطية, وكل هذه التباينات قد تكاملت واجتمعت علي هدف واحد هو تغيير الوضع السياسي المزري القائم علي الاستبداد والقهر وشيوع الفساد تمهيدا لإحداث تغيير جوهري في الواقع المصري بما يحقق الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية, والمتابع لتفاعلات المجتمع المصري قبل ثورة يناير يستطيع أن يرصد أن الغالبية الساحقة للمجتمع المصري كانت علي خلاف مع النظام القائم آنذاك, ومن مظاهر ذلك حالة التذمر العام لدي قطاعات واسعة من المجتمع والوقفات الاحتجاجية والاعتصامات. والتجارب التاريخية والثورات النضالية لكثير من الشعوب توضح أنه في حالة هدم الأنظمة المستبدة فغالبا ماتسود سلوكيات الاختلاف حيث يكون الهدف متفقا عليه مقترنا بحالة من التباين في الطرح والمغايرة في الرأي والتمايز في الوسائل الإجرائية والأساليب التكتيكية, بينما قد تغلب ثقافة الخلاف وسلوكياتها في بداية مرحلة البناء, وتلك هي الحالة الآنية للأحداث و التفاعلات الجارية في مصر حيث شهدنا أنماطا من الخلاف بين فئات المجتمع وبين الحاكم والمحكوم, ومن ذلك حالة الانقسام والخلاف بين ميدان التحرير وميدان العباسية, والاشتباكات الدموية بين المتظاهرين وقوات الأمن والخلاف بين القوي السياسية والمجلس الأعلي للقوات المسلحة, وبين القوي السياسية بعضها البعض, وبين بعض ائتلافات وتحالفات الثوار, وهناك بعض الأسباب التي تفسر هذه الحالة المؤقتة من الخلاف ومنها سيادة الثقافات القمعية والممارسات الاستبدادية قبل ثورة يناير, وقلة الوعي والتجربة نتيجة حداثة الممارسة الديمقراطية وحالة الانفلات الإعلامي الذي أجج كثيرا من بؤر الخلاف في غياب المعايير المهنية, بالاضافة لكثرة الشائعات وأفعال سلبية دون علم, وكل ذلك اقترن بمآرب شخصية. إن الاختلاف في التوجهات والتباين في الأفكار هو ناموس كوني أوجده الله لعباده تكريما لهم عن المخلوقات الأخري التي لاتتمتع بإرادة وكذلك تخفيفا عنهم ورحمة لهم وفرصة للتواصل الإنساني كما قال الله تعالي: ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف السنتكم وألوانكم أما الخلاف فهو سلوك بشري مصطنع ومنبوذ ويولد الصراعات ويلهب المشاحنات المصحوبة بالكراهية والبغضاء, ولعل ما أظهره المصريون مع بداية انتخابات مجلس الشعب من إقبال عظيم لإنجاح التجربة الديمقراطية رغم اختلاف التوجهات الفكرية وتباين الانتماءات الحزبية يبعث علي التفاؤل ويزيح غمة الخلاف ويعيد الي الأذهان المشهد الثوري المبهر, حيث توحدت الغاية واختلفت الوسائل يا أيها المصريون... لايهم لون القط مادام يصطاد فئرانا, نعم لثقافة الاختلاف, ولا لثقافة الخلاف ومن أجل ذلك فيلعمل المصريون. أستاذ إدارة الموارد البشرية بجامعة حلوان [email protected]