عندما تطأ قدماك قرية النويرة مسقط رأس الشهيد محمد سيد إبراهيم الذي استشهد في أثناء تأديته الواجب الوطني خلال إطفائه لحريق مصنع منيل شيحة للدهانات تجد القرية مكتظة بالشباب والرجال علي الطريق.. ظننت في البداية أنها ظاهرة قطع الطرق من الأهالي لمطلب فئوي وحينما أمعنت النظر وجدتهم ينتظرون حمل جثمان الشهيد علي اكتافهم فور وصوله القرية فهم أسرة واحدة ترتسم علي جباههم علامات الشقاء والكفاح في قرية زرعوها بعرقهم.. تعالي صوت طفل صغير يأتي مسرعا حافي القدمين: الشهيد وصل, وعلي الفور امتدت آلاف الأيدي التي تسابقت علي حمل النعش الذي يحوي جثمانه لتوصيله, حيث يدفن داخل مقابر الحاجر ببني سليمان فالجنازة وواجب العزاء علي قبر الشهيد كانا بمثابة المشهد الدرامي الذي يعجز عن تصويره كبار مخرجي العالم لما له من صدق وانتماء داخل ريفنا المصري.. انقضي العزاء وتوجه أهل الشهيد إلي بيتهم المتواضع الموجود علي أطراف القرية من الناحية البحرية.. شعبان الأخ الأكبر للشهيد يستند علي أيدي أبناء شقيقاته وتعجبت عندما أمسك بيدي وقال لي تفضل أنت ضيف فأنا أعرف ابناء البلد جميعا وأنت لست واحدا منهم خرجت دمعة من عيني أعزي بها شقيق الشهيد وقلت له أن الأهرام المسائي تشرف بأن تؤبن الشهيد الذي قدم روحه فداء الواجب وعندما دخلت معه بيت العيلة المتواضع وقعت عيني علي ثلاث وردات شاخصة أبصارهن أيقنت بعدها أنهن بنات الشهيد تصرخ صغراهن فين أمد وكأنها تشعر بوفاته رغم نعومة أظفارها فهي لم تتعد الثمانية عشر شهرا من عمرها.. همسات النساء برثاء الشهيد تملأ جنبات البيت أدخلني بعدها شقيق الشهيد غرفة المندرة المخصصة لاستقبال الضيوف, حيث بدأ حديثه معي وكأنه يفطن لاشتياقي لسماع القصص عن بطل القرية وشهيدها فقال: شقيقي حضر يوم وقفة عيد الأضحي من عمله بإدارة الحماية المدنية بمدينة السادس من أكتوبر وكان صائما وتناول الإفطار مع أسرته وقضي أول أيام عيد الأضحي معهم وفي صباح اليوم التالي وقبل ذهابه إلي عمله ودعني وودع أسرته وقال لي أنه سيقضي إجازة رابع أيام العيد معنا ليذهب إلي المدافن ليزور قبري والده ووالدته, وفي أثناء حديثه انخرط شقيق الشهيد في البكاء قائلا: بالفعل أتي لزيارة القبر بلا رجعة, وأضاف أن خبر وفاته تلقاه من أحد زملائه وذهبت إلي مستشفي أم المصريين وغسلته وقال: فوجئت بعميد شرطة طلب مني الإسراع في غسل شقيقي من أجل الجنازة العسكرية وأن الوزير سيشارك فيها في العاشرة صباحا, فخرجت عن شعوري معه وقلت له لا نريد جنازة عسكرية اتركنا وشأننا. وأضاف: شقيقي قبل وفاته اتصل بي وقال إن هناك بلاغا بحريق شقة في منيل شيحه ونحن سنذهب لإطفائه وفوجئت أن حريق الشقة أصبح مصنعا ولا توجد تجهيزات مع أفراد وأطقم الإطفاء تكفي لحريق المصنع الذي تسبب في ضياع شقيقي وعندما دخلت إلي حجرة الضيافة وجدت زوجته سالمة التي لم تكمل عقدها الثالث وكأنها تحمل أثقالا فقدماها لا تقدران علي حملها ويداها مرتعشتان والدموع تتساقط كأمطار الشتاء وحزنها علي أربع زوجها وبناتها الثلاث فتقول تركني محمد ومعي أسماء سنة ونصف وإسراء في الصف الأول الابتدائي, وهاجر في الصف الرابع الابتدائي. قاطعها شقيق الشهيد دول اصبحوا بناتي, و أكمل الأبناء الثلاثة لشقيق زوجها في مشهد لا يوصف واحنا يامرات عمي بقينا ست اخوات وأكملت زوجة الشهيد كان زوجي دائما يدعو ربه في صلاة الفجر بأن ينول الشهادة واستجاب له الله ولكن أنا عارفة إن الحكومة هتنساه.. وأضافت زوجي تم تعيينه منذ سنة2004 ومعاشه200 جنيه وهو مبلغ لا يكفي لتربية ثلاثة أطفال, وأنا لا أعمل منذ حصولي علي الدبلوم وعاوزه الشرطة تنفذ وعودها لنا بتوفير حياة كريمة لمن قدم عمره فداء لهذا الوطن أو حتي توفير وظيفة لي لأستطيع تربية أولادي قاطعها شعبان شقيق الشهيد قائلا بنات أخي هم بناتي وفي عيني ولن أتخلي عنهن.