بعد أن تم الكشف عن العديد من قضايا الفساد التي جرت وقائعها في عهد ما قبل ثورة25 يناير, واكتفاء الأجهزة الرقابية المختلفة بإصدار تقارير دون تفعيل التوصيات التي وردت بها. وآخرها التقارير التي أصدرها الجهاز المركزي للمحاسبات حول أموال التأمينات والجدل الواسع التي اثارها ومازالت حتي الآن. كان لابد من الوقوف علي كيفية تفعيل دور هذه الأجهزة بحيث تنتقل توصياتها من مرحلة إبراء الذمة إلي مرحلة وجوب التنفيذ. الدكتور أنور رسلان عميد كلية الحقوق الأسبق وأستاذ القانون الدستوري يقول ان دور هذه الأجهزة الرقابية مهم في أي مرحلة, ولكن تزداد أهميته في الوقت الحالي لأن دورها هو متابعة الأداء الحكومي والاداري والكشف عن الثغرات والمخالفات وتحديد المسئولية وتقديم المسئولين للجهة القضائية المختصة كي ينالوا جزاءهم وأضاف انه علي الرغم من وجود تراث طويل من الفساد حدث خلال العهود المختلفة السابقة وأدي إلي خروج الكثيرين عن القانون, إلا أن هناك بعض الموظفين الشرفاء الذين يستحقون التقدير والتحية. ولكن يجب أن يخضع كل من تاجر بوظيفته أو أفسد واستغل وظيفته للمساءلة القانونية, وبذلك يمكن أن نعيد الأمور إلي نصابها الصحيح وحول سبل تفعيل دور الأجهزة الرقابية, يري رسلان أن هناك قوانين كثيرة وكافية لمواجهة الفساد والتربح من الوظيفة العامة, ولكن المشكلة في التطبيق والممارسة, وهذا يتطلب تطبيق القانون علي الجميع وفي أسرع وقت ممكن. ويوضح أن المخرج من هذه المرحلة هو أن يبدأ كل بنفسه ولا داعي للتفكير في إصدار تشريعات وقوانين جديدة, وأننا نتحدث كثيرا وننتج قليلا, وأن العبرة في احترام القوانين وكيفية تنفيذها. وأشار إلي صعوبة تحديد قضايا الفساد التي تم إهمالها, لأن هناك حوالي(15) جهازا رقابيا: المركزي للمحاسبات, والرقابة الادارية, والهيئات الرقابية المختصة بمجالات العمل المختلفة مثل وزارة الصحة والتعليم, وأقسام الشرطة, إذن من الصعب رصد أهم تلك التقارير. علي جانب آخر, يقول الدكتور حمدي عبد العظيم رئيس أكاديمية السادات الأسبق أن الأجهزة الرقابية يجب أن تطور نفسها بعد الثورة, بحيث يكون هناك المزيد من الإفصاح والشفافية عن جميع المعلومات التي تتوافر لديها عن الأوضاع الحالية في الاقتصاد والسياسة, وكذلك موضوعات الفساد والمخالفات المالية والادارية كذلك لابد من تغيير قيادات هذه الاجهزة الرقابية وإلغاء المحسوبية التي كانت موجودة في النظام السابق, واستبدالها بقيادات جديدة, وأن نعمل علي أسس موضوعية, بمعني ألا ينتظر قادة هذه الأجهزة التعليمات كما كان يحدث في ظل النظام السابق, وأن تتبع الأساليب العلمية في آداء عملها, وتطوير هياكلها التنظيمية. ويضيف انه اذا عقدنا العزم بالفعل علي تفعيل دور هذه الأجهزة الرقابية, فيجب أن يتم إسناد تبعيات هذه الأجهزة إلي النائب العام وليس إلي رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية كما كان معمولا به في عهد النظام السابق حيث كان يقوم بانتقاء القضايا التي يثيرها أمام الرأي العام, فالمعارضون له كان يتم التشهير بهم وفتح ملفاتهم, أما الموالون له فكانوا يتمتعون بمظلة أمنية وحصانة ضد أي مساءلة, وحلا لهذه الاشكالية لابد من نقل تبعيتها للنائب العام. ومن جانبه, يقول الدكتور جهاد عودة استاذ العلوم السياسية جامعة حلوان: البلد قائمة علي مراقبة بعضها البعض ولم يثمر ذلك عن شيء لذا يجب تعرف الأجهزة الرقابية دورها بدقة حتي بتسني لها القيام به دون أن تحيد عنه, ولكن ما يحدث هو أن هناك أكثر من جهاز رقابي يقوم بمراقبة نفس الجهة, وبالتالي يحدث تخبط وتفشل المهمة. ويضيف أن المرحلة الثانية تتمثل في ماهية عملية الرقابة نفسها والمعايير الرقابية لتحديد درجات الرقابة وخطورة الحدث, بمعني أن الأجهزة الرقابية تراقب أشياء لا نعلم مدي خطورتها من عدمه. ثم ننتقل إلي المرحلة الثالثة, والتي ننتقل فيها من مرحلة الرقابة إلي فكرة القرار, ومشكلة هذه المرحلة في مصر أن القرار لدينا سياسي, وأن القرارات المهمة يأخذها رجل بعينه, الجميع أمام الأجهزة الرقابية لم يكونوا سواء. ويقول المستشار أحمد الدهشان رئيس محكمة استئناف القاهرة أن دور الأجهزة الرقابية مهم جدا في هذه المرحلة التي تشهد حربا بين الخير الممثل في الحريصين علي مستقبل مصر, والشر الممثل في فلول النظام السابق, والذين يسعون لتحقيق مصالح شخصية دون الصالح العام. وأن هذه الأجهزة هي التي يمكنها أن توقف هذا الفساد وهذا العبث. ويري الدهشان أن هناك قوانين كافية موجودة بالفعل تكفل قيام هذه الأجهزة بواجباتها, ولكن المشكلة تكمن في أن من يتولي رئاسة هذه الأجهزة أشخاص غير مناسبين لقيادتها, ولكن إذا وضعنا الشخص المناسب في المكان المناسب سينصلح حالنا خاصة أن الفساد بعد الثورة زاد لحرص أتباع النظام السابق علي البقاء علي كراسيهم ولأن الكثير من القيادات الحالية أياديهم مرتعشة وغير قادرة علي اتخاذ القرار السليم.