لا يعاني من' عقدة الشتات' مثله مثل أي نوبي ابتعد عن جذوره, يشغله الحنين للأرض والرغبة في الحفاظ علي ماتبقي في الذهن من ذكريات المكان, لاينكر يحيي مختار تأثره بأحداث التهجير وتمسكه بتراث يري البعض انه في طريقه الي الاندثار, تتضح من كتاباته نوبات من الحنين تظهر بصور مختلفة, فمنذ كتابته الأولي وهو حريص علي الطابع النوبي في أدبه, لكنه يعتبر نفسه جزءا لايتجزأ من هذا التراث. حول عمله الأخير وهاجس النوبة في كتاباته كان للأهرام المسائي معه هذا الحوار. احتوت المجموعة علي مفردات نوبية كثيرة ألم تخف ان تقف عائقا أمام القاريء غير العارف بواقع النوبة؟ المفردات النوبية جاءت من منطلق الاختيار والتأكيد علي الطابع النوبي لقصص المجموعة, فالتسميات موضوعية تتفق مع مضمون كل قصة, ومن المضمون حاولت أن أوضح معانيها, وفي أول مجموعة لي كنت أكتب هوامش لتوضيح المعني فقال بعض النقاد ان هذا يخرج القاريء عن سياق القصة لكن حاولت في المجموعة الاحدث ان يعبر النص علي معني الكلمة اي من خلال فهم المعني, ولم يقابلني في كل اعمالي قارئ من أي نوع استوقفته الكلمات النوبية. هناك اسراف في تصوير الأحداث الامر الذي يؤدي الي طول القصص أحيانا ألم تخش ان يصاب القاريء بالملل؟ التصوير أداة الفنان الحقيقية, فهو واجبي كي يتفاعل القاريء مع الحدث خاصة أن المكان الذي أتحدث عنه غريب عن القاريء بشكل عام لايعرفه وبالتالي أعطيه وصفا تفصيليا كي يعرف المكان ويتعايش مع الشخصيات مجموعتي الأولي عروس النيل كانت تحتوي أيضا علي4 قصص ونالت المجموعة جائزة الدولة التشجيعية, والقصة الأولي بالمجموعة والتي تحمل نفس الاسم اندو ماندو يمكن اقول انها تقترب من رواية صغيرة أو نوفلا ولكن عندي ثقة في نفس الوقت ان تكنيكي واسلوبي ولغتي وأدائي لن يستطيع معها القاريء ان يمل أو يترك القصة وهذا هو الرهان الذي يراهن عليه اي كاتب فإذا لم يكن العمل ممتعا وجاذبا للقاريء فقد الثقة بينه وبين المؤلف والعمل. لماذا كان الاعتماد في السرد علي تيمة استرجاع الأحداث؟ المضمون هو استرجاع المكان والحنين له من خلال البطل الذي عاش طفولته في المكان قبل عمليات التهجير, لذلك الحنين تيمة أساسية للمجموعة ومنها تنطلق الأحداث البسيطة لقصصها فهي لاتقوم علي حدث مركزي, وهذا يضفي حالة من حالات البحث عن مكان ولاتعني المجموعة حالة جماعية لكن هي حالة فردية مكثفة لأن ابطالها لهم طبيعة خاصة فهم فنانون والاحساس بالحنين عندهم أشد, لكن بقية النوبيين مصريون ولايشعرون بالشتات بالمعني الذي يعيشه الفلسطينيون. رض حياة النوبي قبل التهجير ولكنها لم تتناول حياته بعدها؟ من الممكن أن يكون هذا الموضوع محور عمل آخر, فالعمل الفني يقدم حالة,يشخص فيها ويركز علي وضعية نفسية محددة لكنه لايقدم تاريخا أو تحليلا اجتماعيا مثل علماء الاجتماع لكي يتحدث عن حال النوبيين الاجتماعي والاقتصادي هذه ليست قضية الأدب. الا تري ان الكتابة عن قضية تهجير النوبة أصبحت مستهلكة؟ تعرض النوبيون لعملية لم تتعرض لها اي فئة من الشعب المصري, فعاشوا في هذه الأرض منذ الاف السنين ثم انتزعوا من جذورهم, فالوضع بالنسبة لهم كوني, لذلك تركت حادثة التهجير أثرا كبيرا فيهم وظلوا متأثرين بها وأنا من هؤلاء,وعلاقة النوبي بالنيل ليس من السهل تلخيصها في كلمات, والشعب النوبي بسبب بعده عن النيل بعد بناء السد العالي اختفت كل فنونه التي ارتبطت بالنيل مايعني ان هناك ثقافة كاملة اختفت وفقدها صاحبها وتعري منها الامر الذي ادي الي زيادة اندماجه مع مجتمع الشمال وتخلي تدريجيا عن تراثه. هل تري أن للكاتب النوبي اي دور في الامساك بمفرادت هذه الثقافة وحمايتها من الضياع؟ ضياعها أو استمرارها ليس في يد الأديب النوبي لأنها مسألة تخضع لحتميات التاريخ, وهناك كتاب عالميون لم يكتبوا عن شيء في حياتهم الا موضوع واحد مثل وليم فوكنر الذي اخترع ولايه وهمية في آلجنوب الأمريكي ودارت حولها كل أعماله, وأنا عندما اكتب عن النوبة والتهجير والسد وعلاقتها بالنوبي وتأثيرها في حياته فأنا أصنع لوحة كبيرة لحياة النوبيين في كل قصة نتناول جزئية من هذه المشاكل لكن ولاقصة تكررت رغم اني تناولت التهجير والسد العالي كنقاط اساسية, ولاتوجد مشاكل في نسيان النوبة وفي تصوري ان النوبة بناء سوف يذوب داخل نسيج الوطن ولن يكون له وجود مستقل فمن يتحدثون النوبية أعدادهم تقل, وانتشار التعليم جعل لديهم ثنائية في اللغة فتسقط اللغة النوبية التي لم تعد تغطي حاجاته الحياتية فاللغة كائن حي ان لم تستخدمه يموت وهذا هو المصير الطبيعي وليس لدي معه مشكلة. لماذا لايخرج الكاتب النوبي في أعماله الابداعية عن النوبة لفضاء أكبر؟ الكاتب لايكتب عن شئ لايعرفه فكل كتاباته تدور حول ما يعرفه وماعايشه ففي أكثر من عمل لي كانت قريتي الجنينة والشباك فهي بالنسبة لي رمز للنوبة ككل فهي نموذج ومثال ولكن أتناول في سياق الأحداث قري أخري مثل ابو سمبل وعنيبه وغيرها ولكن العمل كله مركز علي الجنينة وهذا بالضبط يشبه الحارة عند نجيب محفوظ فهو لم يكتب عن شئ غيرها وفي مسافة محددة. رغم قلة عدد كتاب الأدب النوبي إلا أن بعضهم تخلي عنه واهتم بمشروعات أخري فكيف تفسر ذلك؟ كل واحد وله توجهاته ولاحظر علي احد ان يتوجه وفق قناعاته الخاصة ومنهم من ذهب للسياسة فيمكن ان يكون استنفد اغراضه من الكتابة في الوضع النوبي ولايجد مايثيره فيه وبالتالي لايستطيع ان يكتب لذلك يتوجه الي مشروعات أخري, ولايوجد شئ اسمه ادب نوبي فهو ادب عربي فالادب يسمي باللغة التي يكتب بها ولكنه يعبر عن منطقة النوبة لذلك أكتب دائما علي جميع اعمالي إلا آخر مجموعة انها قصص من النوبة فهناك فرق. ولكن ألا تري انه نوع من المتاجرة باسم النوبة؟ من يتاجر بها فهو مفلس من الناحية الابداعية, فهناك من لم يولد في النوبة ولايعرف اللغة النوبية ولكنه يتحدث عن النوبة لكن الظروف والزمان سيفرز ورغم ان المتاجرين صوتهم الأعلي إلا أن علو الصوت دليل علي عدم الصدق, والسؤال هنا: ماذا انتج هؤلاء في الواقع؟ واؤكد ان كل مايقال عن النوبة مجرد ادعاءات فالدولة تتيح لنا الامكانات لاقامة الجمعيات ومدارس تعليم اللغة النوبية وبالتالي لايوجد فصل عنصري او اضطهاد ونحن مصريون عاديون هل فكرت في اتخاذ اي اجراءات ضد من يتاجر بقضيةالنوبة؟ هذه توجهاتهم فكرية يمكن الاختلاف اوالاتفاق معها ولكن عندما تأتيني الفرصة أعري منطقهم وكلامهم غير الصحيح وانا افهم ان فيهم من يسترزق بهذا الكلام من خلال السفر اوالظهور في الفضائيات والكتابة للصحف لكني في الأساس غير معني بشئ سوي كتاباتي الأدبية ولست باحثا عن شهرة, والنادي النوبي العام والشباب المنوط بالحركة يكافح هذه التصورات المغلوطة التي تكون دائما بهدف الاسترزاق سواء من خلال الافراد او جمعيات حقوق الانسان التي تحصل علي معونات من الخارج, ولا أحد يعرف اين تذهب هذه الملايين التي تنفق باسم الدفاع عن حقوق النوبيين بينما لم نر أنها أنفقت مليما واحدا لبناء قرية أو مدرسة أو جمعية خيرية.