فى الإسلام إنّ الشعائر الأساسية فى الإسلام أربعة هي: الصلاة والزكاة والصيام والحج، القول بأن هذه الشعائر هى كل العبادات قولٌ غير صحيح؛ فالعبادة فى الإسلام ليست الشعيرة فقط. ويمكن القول بأن الشعائر هى أدنى درجات التعبد، وليست أعلى كما يظن كثير من المسلمين المعاصرين؛ وذلك لأن المساحة التى تشغلها إحدى هذه الشعائر - أو كُلّها - فى عمر الإنسان أقل مِن أى أنشطة تعبدية أخرى، مثل: حراثة الأرض، أو الإنتاج فى المصنع، أو تربية النسل، أو العناية بالبيت، أو الجهاد المسلح، أو حتى الترفيه عن النفس، فضلا عن التفقه فى علوم الدنيا والدين، فكل هذه الأنشطة وأمثالها هى مجالات العبادة، وتمثل -حقًّا- أعلى درجات التعبد. فالله -تعالي- كما يُعبَد بالصلاة والصوم يُعبَد -كذلك- بالعمل والسعى، وكما يُعبَد بالنطق والذكر يُعبَد -أيضًا- بالصمت والفِكر. والمطلوب هو تحقيق التوازن بين كل هذه العبادات؛ حتى لا يطغى بعضها على بعض، ولا تتعطل -أو تضطرب- مسيرة الإنسان على الأرض؛ ذلك لأنّ التركيز أو الاستغراق فى بعض العبادات يتبعه -بالضرورة- إخفاق أو إهمال فى عبادات أخرى، وهذا من شأنه تعويق الحركة الفردية والاجتماعية. وهذا يقودنا إلى سؤال مهم: ما دور الشعائر فى النهوض بمسيرة الإنسان وتحقيق ذاته على الأرض؟ وعند الإجابة عن هذا السؤال لا بد -فى البداية- مِن الإشارة إلى أنّ الشعائر موجودة فى جميع الديانات، لكنها تميزت فى الإسلام بمجموعة من الخصائص: أولها: البساطة؛ فهى لا تحتاج إلى استعداد كبير أو إجراءات مُعقَّدة. وثانيها: التنوع؛ فمنها ما هو يومى كالصلاة، ومنها ما هو سنوى كالصيام والزكاة، ومنها ما يحدث فى العمر مرة واحدة كالحج، وثالثها: المزج بين الجانبين المادى والروحى. وبهذه الخصائص وغيرها أسهمت الشعائر فى تحقيق ذاتية الإنسان فردًا كان أم مجتمعًا. فالصيام -مثلا- يتميز بأنه عبادة موسمية، وذات طبيعة خاصة تتمثل فى الامتناع الاختيارى عمّا تشتهيه النفس من مباحات الطعام والشراب والجنس، فى وقت معلوم يبدأ من طلوع الفجر حتى غروب الشمس، كما تتمثل تلك الطبيعة الحاصة فى كونه عبادة ينعدم فيها الوازع الخارجى، وتعتمد –فقط- على الوازع الداخلى. وتهدف هذه العبادة إلى تقوية إرادة الإنسان، وتدريبه على تحمُّل الصعاب والمشقات، وتحريره من سلطان العادات والغرائز التى تتحكم فيه وتسلبه القدرة على ممارسة حريته الإنسانية. كما تساعد هذه العبادة على تَذكُّر معاناة المحرومين؛ ومِن ثَمّ العمل على عناصر منتجة وفاعلة بدلًا مِن أن يظلوا طاقة معطلة وقُوى مهمشة اجتماعيا. كما يتطلب الصيام -كذلك- الامتناع عن كل قول أو فعل يُمثِّل تعدِّيًا على الآداب والقواعد الاجتماعية؛ وفى الحديث المتفق عليه: «إذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله، فليقل: إنى امرؤ صائم». وفى الحديث -أيضا-: «رُبَّ صائم حظُّه من صيامه الجوع والعطش» [أخرجه أحمد والحاكم]. بقى أن نشير إلى أن الصيام عبادة قديمة فرضها الله على المسلمين كما فرضها على مَن سبقهم؛ وفى هذا ما يشير إلى وَحدة المصدر الذى انبعثت عنه هذه الشعيرة، ويشير -كذلك- إلى حاجة الإنسان فى كل عصر إلى هذه العبادة التى تساعد على محاربة الشهوات، والتغلُّب على الظروف العصبة التى تواجهه فى أوقات مختلفة.