سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رمضان.. شهر العبادة والتقوي د. نبيل جاد: الصيام وسيلة للتقوي في شئون الدين والدنيا
الشيخ محمد الزعرب: رمضان مدرسة متميزة للتربية العملية علي أعظم القيم وأرفع المعاني
إن حكمة الله عزوجل اقتضت أن يجعل هذه الدنيا مزرعة الآخرة وميدانا للتنافس وكان من فضله جلا وعلا علي عباده وكرمه ان يجزي علي القليل كثيرا ويضاعف الحسنات ويجعل لعباده مواسم تعظم فيها هذه المضاعفة فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات قال الحسن رحمة الله في قوله عز وجل(وهوالذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا) :من عجز بالليل كان له أول النهار مستعتب ومن عجز بالنهار كان له من الليل مستعتب ومن أعظم هذه المواسم المباركة وأجلها شهر رمضان ألذي أنزل فيه القران المجيد ولذا كان حريا بالمؤمن ان يحسن الاستعداد لهذا القادم الكريم ويتفقه في شروط ومستحبات وآداب العبادات المرتبطة بهذا الموسم الحافل لئلا يفوته الخير العظيم حيث إن الصائم يكتسب من صيامه فوائد كثيرة وحكم عظيمة منها تطهير النفس وتهذبيها وتزكيتها من الأخلاق السيئة والصفات الذميمة كالأشر والبطر والبجل وتعويدها علي الأخلاق الكريمة كالصبر والحلم والجود والكرم ومجاهدة النفس فيما يرضي الله ويقرب لديه. وأشار الله سبحانه وتعالي إلي هذا التغيير في سلوك وأخلاق المرء حال صيامه في قوله:( ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون). ويوضح الدكتور نبيل عجيب جاد أن الله سبحانه وتعالي أوضح أنه كتب علينا الصيام لنتقيه سبحانه فدل ذلك علي بأن الصيام وسيلة للتقوي فالصيام شعبة عظيمة من شعب التقوي, وقربه إلي المولي عز وجل ووسيلة قوية إلي التقوي في بقية شئون الدين والدنيا... ويقول تعالي( ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون). والصائم يتعلم ويتربي بالصيام علي الطهر والعفاف, وقد أشار النبي صلي الله عليه وسلم إلي فإنه له وجاء) وإن الصيام ليغير في خلق صاحبه في قلبه فقلب الصائم يتخلي للفكر والذكر والرقة والخشوع لأن تناول الشهوات يستوجب الغفلة وربما يقسي القلب ويعمي عن الحق, ولذلك أرشد النبي صلي الله عليه وسلم إلي التخفيف من الطعام والشراب فقال صلي الله عليه وسلم( ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لامحالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه) والصائم الغني الذي وهبه الله من نعمة المال فهو قد تعود طول العام علي الرفاهية في المطعم والمشرب والملبس والمسكن فنسي أو غفل عن الفقراء فلما صام تغير سلوكه وظهرت أحاسيسه تجاه غيره فعرف بذلك قدر نعمة الله عليه بالغني, وقد حرمها كثير من الخلق فبحمد الله علي هذه النعمة ويشكره فيجود علي الفقير بالصدقة يسد بها جوعته ويكسو بها عورته, ولذلك كان النبي صلي الله عليه وسلم أجود الناس, وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن. ويقول الشيخ محمد الزعرب من علماء الأوقاف: خلق الله سبحانه وتعالي الناس ليعرفوه ويعبدوه كما قال تعالي وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون الزاريات56 وقد نوع الإسلام في عباداته التي شرعها فمنها العبادة التي يؤديها المسلم بجهده البدني كالصلاة والصيام وتسمي العبادة البدنية ومنها ما يؤديه بذلا من ماله لله كالزكاة والصدقات وتسمي العبادة المالية ومنها ما يجمع بينهما كالحج والعمرة كما أن منها ما يتمثل في الفعل كالصلاة والزكاة والحج ومنها ما يتمثل في الترك والكف وهو الصيام. والصيام المأمور به إمساك وامتناع إرادي عن الطعام والشراب وعن مباشرة النساء خلال الصوم بنية الإمتثال والتقرب إلي الله تعالي. ولم يشرع الإسلام شيئا إلا لحكمة علمها من علمها وجهلها من جهلها فالله تعالي غني عن العالمين وعباده جميعا هم الفقراء إليه فهو سبحانه لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية فالحكمة في الطاعة عائدة إلي مصلحة المكلفين أنفسهم وفي الصيام حكم ومصالح كثيرة. ويضيف الشيخ محمد الزعرب أن حكم ومصالح شهر الصيام تزكية النفس في طاعة الله فيما أمر والإنتهاء عما نهي وتدريب النفس علي كمال العبودية له ولو كان ذلك بحرمان النفس من شهواتها والتحرر من مألوفاتها ولو شاء الصائم لأكل أو شرب ولم يعلم بذلك أحد ولكنه ترك ذلك لوجد الله مرة وفي هذا جاء الحديث القدسي يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي كل عمل بن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به. ومن حكم شهر الصيام ومصالحه أيضا أن فيه حفظ للبدن حيث يعالج الصيام الجهاز الهضمي ويطهر الأمعاء من السموم من كثرة السبع طوال العام يقول عليه الصلاة والسلام صوموا تصحوا. وكذلك يتعلم العبد خلال هذا الشهر الكريم أنه ضعيف محتاج للطعام والشراب فعندما يجوع ويعطش يعرف قيمة الطعام والشراب ويتذكر نعم الله تعالي عليه فيحمد الله تعالي عليها ويذكر الصيام الغني بالفقير فعندما يشعر الغني بالجوع يتذكر الفقير الجائع وسأل سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام وكان يكثر من الصيام لما تجوع وأنت علي خزائن الأرض, قال: أخاف أن أشبع فأنسي الجائع. ويوضح الشيخ الزعرب أن الصيام يضيق مجاري الدم التي هي مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان حيث يسكن وسواس الشيطان ويضعف الشهوات قال عليه الصلاة والسلام يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء وفي هذا الشهر التذكير العملي الذي يدوم شهرا ما يدعوا إلي التراحم والمواساة والتعاطف بين الأفراد والطبقات بعضهم وبعض ولهذا روي في بعض الأحاديث تسمية رمضان شهر المواساة وكان النبي صلي الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وفي رمضان كان يكثر الجود كأنه ريح مرسلة ومن أجل هذا كان أفضل ما يثاب عليه المسلم خلال هذا الشهر الكريم تفطير الصائم. قال عليه الصلاة والسلام من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لاينقصه من أجر الصائم شيئا. وجماع ذلك كله خلال شهر رمضان أنه يعد الانسان لدرجة التقوي والارتقاء في منازل المتقين يقول ابن القيم وللصوم ثأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوي الباطنة فالصوم يحفظ القلب والجوارح ويعيد إليها ما استلبته منها ايدي الشهوات.. فهو من أكبر العون علي التقوي كما قال تعالي.. كتب عليكم, الصام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون. وأخيرا يشير الشيخ الزعرب إلي أن شهر رمضان مدرسة متميزة يفتتحها الإسلام كل عام للتربية العلمية علي أعظم القيم وأرفع المعاني. فمن اغتنمها وأحسن الصيام كما أمره الله تعالي ثم أحسن القيام كما سرعه رسول الله فقد نجح في الإمتحان وخرج من هذا الشهر الكريم رابح التجاره وقد نال المغفرة والعتق من النار. قال عليه الصلاة والسلام من صام رمضان إيمانا وإحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وفي رواية أخري من قام رمضان إيمانا وإحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه. ويقول الدكتور عادل المراغي إمام وخطيب مسجد النور بالعباسية من حكمة الله تعالي أن جعل رمضان محطة من المحطات السنوية التي يتقرب فيها العباد إلي الله تعالي فبقدومه تفتح الخيرات وتكفر السيئات وتقال العثرات وينادي مناد من قبل الله تعالي ياباغي الخير أقبل فهشر رمضان هو شهر الصلة والمواساة والمغفرة. فقد أخرب النبي عليه الصلاة والسلام أن رمضان إلي رمضان كفارات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر. وشهر رمضان هو شهر الصلة والبر والإحسان والمواساة وهو شهر الكرم والجود وكان النبي صلي الله عليه وسلم أجود مايكون في رمضان وكان اجود من الريح المرسلة. وقد حث الصحابه رضي الله عنهم علي كل ألوان الجود والإحسان في شهر رمضان بداية من دفع الزكاة ونهاية بإدخال السرور علي الفقراء والمساكين وإطعام الجائع. ويوضح الدكتور عادل المراغي أن بالنظر إلي شهر رمضان نجد شتي ألوان العبادات الروحية أو المدنية فيه فالعبادات الروحية كقيام الليل وصيام النهار والصلوات الخمس والذكر وقراءة القرآن أما العبادات المدنية مثل الجهاد في سبيل الله والعمل وإدخال السرور علي الناس وقضاء حوائجهم وإطعام الطعام فالعباد يتسابقون في هذه الأيام ويطبقون قوله تعالي فاستبقوا الخيرات وبذلك يكون شهر رمضان هو شهر العبادة بشقيها الروحي والمدني ورمضان هو شهر التقوي لأن معني التقوي هي الإحسان وهو أن تعبد الله كانك تراه فإن لن تكن تراه فهو يراك وهذا مايعرف عند علماء التربية بالمراقبة وهي الثمرة الرجوة من الصيام فالصبام يولد المراقبة والمراقبة تثمر الإحسان والإحسان يثمر التقوي ولذلك وضع النبي صلي الله عليه وسلم هذا الشرط فقال إذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ولا يسب فإن سابه أحد فليقل إني صائم.