لماذا نصوم؟ سؤال أمامه علامة استفهام ضخمة, رحمة الله عز وجل لاتقتضي تجويعنا ولاتعطيشنا ولا اتعابنا لأنه قال في آخر آيات الصيام{ يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر} إذن فما الحكمة في الامساك عن الطعام والشراب من طلوع الفجر إلي غروب الشمس طوال هذا الشهر الكريم. يقول الدكتور صبحي عبدالسلام من علماء وزارة الأوقاف أولا تأكيد عبودية الانسان لربه وتكليف إلاهي صادر عن الرب الذي له بمقتضي الربوبية والألوهية أن يكلف عباده بما شاء من التكاليف فيجب علينا أن نخضع لأمر الله فيه كما طلبه هو وكما رسمه هو. ثانيا: أن الصائم يغفر له ما تقدم من ذنبه وهذا ما بينه لنا الرسول عليه الصلاة والسلام, كما أن رائحة فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك وهناك باب في الجنة مخصص للصائمين فقط اسمه باب الريان وكذلك لا يرد الله دعوة صائم فهي مستجابة إن شاء الله, كما أن الصوم لا يكتمل إن لم يدع المرء قول الزور والعمل به, لذلك يعمل الإنسان علي تهذيب نفسه وكلامه ويترك هذه الآفات الاجتماعية والمعاصي كل ذالك بفضل الصوم. لكن هناك ثمرة وغاية عظيمة بينها الله عز وجل بقوله يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون. إذا, فالغاية الأولي والهدف الأسمي من صيام رمضان هي إعداد القلوب للتقوي ومراقبة الله. فالصوم يجعل قلب الانسان مستكينا وخاشعا فهو يوقظ القلوب من سباتها والعقول من سكرتها, فإذا فسد الناس في زمن من الأزمان فإن صلاحه لايكون بالتشدد والتنطع, فليبدأ الصلاح بإعداد القلوب وبث حرارة الإيمان فيها, وخوف الله ومراقبته, فالإسلام لايقود الناس بالسلاسل إلي الطاعات, إنما يقودهم بالتقوي ومراقبة الله والخوف منه في السر والعلن, فنري الصائم أمينا علي نفسه, رقيبا عليها في الصغيرة والكبيرة, وتتمثل في هيبة مولاه ومراقبته كأتم ماتكون, وهنا مسألة يجب علي المصلحين وقادة الأمم أن يتنبهوا إليها ذلك أن وازع الدين يفعل في النفوس مالا يفعله وازع القوة والسلطان, فإذا استمع الإنسان إلي صوت ضميره ومراقبة ربه وخشية عقابه أمن المجتمع بوائقه, واستراح من كثير من شروره, أما إذا كان الاعتماد علي وازع السلطان وحارس القانون فإن الحارس قد يغفل, والقانون قد يؤول وقد يتحايل للتخلص من سلطانه, ولعل هذا هو معني ماورد من قوله صلي الله عليه وسلم إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وأغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين أي شدت بالأغلال. ويضيف د. صبحي عبدالسلام الصيام عبادة تختلف عن سائر العبادات, رفع الإسلام منزلته وميزه علي أنواع العبادات بقوله في الحديث القدسي: يقول الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به, متفق عليه], فهل الصلاة ليست لله والعمرة ليست لله وسائر العبادات كلا بل هي كلها لله, فلماذا الصيام بالذات؟ يقول تعالي: الصوم لي لأن الصيام فيه تجرد وإخلاص تام, يستطيع الصائم أن يبالغ في المضمضة فيفطر ولايشعر به من جواره, يمسك عن الطعام والشراب ومواقعة النساء مع تذكره وقدرته, لكن يترك كل ذلك لأجل الله, ويعلم أن الله يراقبه ويطلع عليه, فهي عبادة بين العبد وبين ربه. قد يدخل غرفة مظلمة أو زاوية من زوايا بيته يأكل ولايشعر به أحد لكنه يؤمن أن الله يراه حيث كان وهنا يأتي الإخلاص والمراقبة. فاجعل مراقبتك لمن لاتغيب عن نظره إليك, واجعل شكرك لمن لاتنقطع نعمه عنك, واجعل طاعتك لمن لاتستغني عنه, واجعل خضوعك لمن لاتخرج عن ملكه وسلطانه. ويقول الدكتور نبيل عجيب من علماء وزارة الأوقاف صيام رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام العظيمة, لقول النبي صلي الله عليه وسلم: بني الإسلام علي خمس: شهادة أن لا إله إلا الله, وأن محمدا رسول الله, وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وصوم رمضان, وحج البيت الحرام, والصيام: هو التعبد لله تعالي بترك المفطرات من طلوع الفجر إلي غروب الشمس, وهو واجب علي كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم, والكافر لا يصوم, ولا يجب عليه قضاء الصوم إذا أسلم, والصغير الذي لم يبلغ لا يجب عليه الصوم, لكن يؤمر به ليعتاده. أما المريض مرضا طارئا ينتظر برؤه يفطر إن شق عليه الصوم ويقضي بعد برئه, كما لا يجب علي المجنون الصوم ولا الإطعام عنه وإن كان كبيرا, ومثله المعتوه الذي لا تمييز له, والكبير المخرف الذي لا تمييز له, أما العاجز عن الصوم لسبب دائم كالكبير والمريض مرضا لا يرجي برؤه يطعم عن كل يوم مسكينا, والحامل والمرضع إذا شق عليهما الصوم من أجل الحمل أو الرضاع, أو خافتا علي ولديهما, تفطران وتقضيان الصوم إذا سهل عليهما وزال الخوف, الحائض والنفساء لا تصومان حال الحيض والنفاس, وتقضيان ما فاتهما, أما المضطر للفطر لإنقاذ معصوم من غرق أو حريق يفطر لينقذه ويقضي, والمسافر إن شاء صام وإن شاء أفطر وقضي ما أفطره. والصيام ليس امتناعا عن الطعام أو الشراب فقط ولكن ما يجب علي الصائم تركه: قول الزور: لقوله صلي الله عليه وسلم: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله عز وجل حاجة أن يدع طعامه وشرابه. وكذلك اللغو والرفث: لقوله صلي الله عليه وسلم: ليس الصيام من الأكل والشراب, وإنما الصيام من اللغو والرفث, فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم. ويتساءل د. نبيل عجيب ما الحكمة في أن نجوع ونعطش ونصبر عن الطعام والشراب من طلوع الفجر إلي غروب الشمس طوال شهر كامل كل عام, وهو شهر رمضان؟ والإجابة تتلخص في أن للصوم فضائل ومعاني ودروسا عظيمة لتكامل المجتمع وتحقيق التوازن بين فئاته فتعم المحبة ويقل الحقد والبغضاء, ففيه شعور بآلام الفقير الجائع الذي لايجد قوت يومه, فإذا صمنا أدركنا مدي مايعانيه هو وأولاده, فنرق له قلوبنا, ونشاركه طعامنا وشرابنا وندرك نعم ربنا سبحانه فنحمده ونشكره ونكثر من الزكاة والصدقات. كما أن الدراسات الحديثة والتقدم في العلوم والمعارف أننا نصوم كي نتقي كثيرا من الأمراض التي تضر الإنسان, مثل التخمة والسكر, وتصلب الشرايين, وضغط الدم, والتهاب الكلي واضطراب الامعاء المزمن, فالمعدة هي بيت الأمراض, قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه. كذلك يطهرنا الصوم بالامتناع عن المعاصي والسيئات, فالصائم يبتعد عن ارتكاب الاثام والرذائل, فإذا شمته احد قال له: إني صائم.. إني صائم. وبذلك يتقي الشر والصدام. والصوم يكفر ذنوبنا ويقربنا من الله سبحانه وتعالي قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. كما يعلمنا الصبر, والصبر من الايمان, والايمان يدخلنا الله به الجنة, فيدخل الصائم من باب يسمي الريان. ونصوم لأن صوم شهر رمضان يدربنا علي التحمل, ويغرس فينا العزيمة وقوة الإرادة, ويعلمنا الصيام الوحدة ليجتمع المسلمون في أنحاء العالم, فيصومون ويمتنعون عن الطعام والشراب في وقت واحد, ويفطرون ويعيدون في وقت واحد. وقبل كل ذلك نصوم لأن هذا الصوم طاعة الله- عز وجل- الذي فرضه علينا, ما دمنا نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر, قال الله تعالي: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون.