مع الاحتفال بعيد الحب في كل عام, تصدر روايات وكتب جديدة, أو نسخ حديثة من كتب قديمة تتناول قضايا الحب وأسراره, ووسط العدد الضخم من الكتب الصادرة في دول العالم وباللغات المختلفة, تبقي مجموعة محدودة من الكتب الكلاسيكية المستندة إلي دراسات علمية والقادرة علي جذب الجمهور علي مر السنين وباختلافات الثقافات حاضرة بقوة في ذاكرة الإنسانية, ومنها كتاب فن الحب أوtheArtofLoving للكاتب الأمريكي إريك فروم الصادر عام1956, وبالرغم من ذلك لاتزال تصدر منه نسخ جديدة, وتحتل هذه النسخ الصدارة في قائمة الكتب الرومانسية الأكثر مبيعا, لاسيما في عيد الحب. يؤكد الكتاب منذ البداية أن الحب.. فن, لكن هل هو كذلك بالفعل؟ وألايتعارض العنوان بالنسبة للبعض مع عفوية الحب وانعدام استناده إلي قرارات, وخطوات عقلانية متعمدة من جانب المرء تجاه من يحبه؟! في الواقع عند قراءة الكتاب قد لا نجد تعارضا لأن الكتاب الذي صدر في نسخة جديدة لا يقدم وصفة سهلة أو روشتة للقارئ حول هذا الفن لاسيما أنه يتطرق إلي جانب الحب بين المرأة والرجل, الحب بين أفراد الأسرة والأصدقاء إنما يتناول أبعادا مهمة يدعوه للتفكير فيها, وفي مقدمتها رؤيته للحب نفسه واحتياج الإنسان له, حيث يراه هذه الرغبة للاندماج مع شخص آخر, وأنها أكبر توق لدي الإنسان. بل إنها أشد عواطفه جوهرية, والفشل في تحقيق هذا الاندماج يعني دمار الذات, فبدون حب ما كان يمكن للإنسانية أن توجد يوما واحدا علي حد قول الكاتب. وبالرغم من هذه النظرة المغرقة في الرومانسية, فإن الكتاب يتناول الحب في سائر صفحاته من منظور عقلاني فلسفي, إذ يحاول المؤلف اقناع قارئه عبر استخدام أسلوب رصين بأفكاره ورؤيته تجاه الحب, والتي يمكن تلخيصها في أنه: لا استمرار لأي مشاعر حب بدون فن ووعي ويقظة دائمة! فمنذ البدية يكسر فروم قواعد وأقوال ثابتة عن الحب, ليقدم لنا رؤية أخري ربما تكون صادمة للمفرطين في الرومانسية, لكنها تحتاج منهم قدرا كبيرا من التفكير في معناها, إذ يري المؤلف أن مشاعر الحب ليست شعورا خفيا ينتاب الإنسان بعيدا عن مستوي وعيه, بل علي العكس تماما من ذلك إن الحب يكون في مقدمة وعي الإنسان حين يسمح لمشاعره أن تتجه لشخص ما دون آخر, لأن هذا الشخص لسبب أو لآخر هو ما يبحث عنه المرء حين اتجهت مشاعره إليه! وهو ما يفسر من وجهة نظره لماذا تفشل جميع التجارب الإنسانية في الحب, إذا لم يطمح الإنسان إلي تطوير ذاته من حين إلي آخر, وبما يتفق أيضا مع تطور مشاعر وإرادة وأفكار الطرف الآخر وتطورها بمرور الوقت!. ولعل ذلك جانب أساسي من سبب نظرته للحب بأنه فن, باعتبار أن تطوير الذات في حد ذاته فن لا يجيده الكثيرون, ومما يرتبط بهذا المفهوم أيضا بشكل أساسي هو فن التعامل مع عناصر الحب الرئيسية التي حددها فروم, وهي الرعاية:فالحب هو الاهتمام الفعال بنمو وحياة ذلك الذي نحبه, ثم المسئولية: أي أن تكون قادرا ومستعدا للاستجابة لحاجات من تحبه سواء عبر عنها أم لم يعبر, والاحترام:ويعني به هنا احترام من تحبه, والقدرة علي رؤية الشخص كما هو, وتقبل الآخر كما هو علي عيوبه دون أن نفرض عليه أي تغيير. ولا يبعد العنصر الرابع عن الثالث وهو المعرفة:أي أن تري محبوبك في داخل نفسه وتتفهم طبيعته وطريقة تفكيره. وفي السياق نفسه, يؤكد المؤلف أن فن الحب يتضمن فن العطاء انطلاقا من أن الحب هو العطاء أساسا وليس التلقي. لكنه في الوقت ذاته ينبه إلي أن العطاء لا يعني ما يقدمه البعض من أشياء مادية, إنما: أن يعطي المرء من ذلك الشيء الحي داخله, أي أن يعطيه من فرحه, ومن شغفه, ومن فهمه, ومن علمه, ومن مرحه, ومن حزنه, ومن كل التعابير والتجليات لذلك الشيء الحي الكامن في أعماقه, لأن بإعطائه من حياته ومكنوناته الداخلية, لا يثري فقط المحبوب أو يحقق حالة التوحد معه, إنما هو يعزز في الأساس شعور المحبوب بالحياة ذاتها, وكأن العطاء هو قبلة الحياة للمحبين, والتي تدفع الشخص الآخر إلي مبادلته هذه القبلة أو العطاء الجميل. الأمر الذي يساعد علي استمرار الحب بين الطرفين ما بقيت الأشياء الحية داخلهما, وما بقيت الحياة. ومن أهم ما يتضمنه فن الحب من أساسيات من وجهة نظر الكاتب أيضا هو ما أطلق عليه اسم النشاط, ولا يعني بهذه الكلمة فعل شيء, إنما المقصود هو ما أسماه النشاط الباطني, والذي من الممكن ترجمته إلي التفاعل أو التواصل الإيجابي مع من نحبه والناجم عن الاهتمام المستمر به, يقول فورم إذا أحببت, فإنني في حالة دائمة من الاهتمام النشاط بالشخص المحبوب, ذلك أنني سأصبح عاجزا عن ربط نفسي بشكل فعال بالشخص المحبوب, في حالة إذا كنت كسولا أو سلبيا أو متوقفا عن التفاعل, أي إذا لم أكن في حالة دائمة من التيقظ والوعي بأحوال من أحبه وباحتياجاته المختلفة. ويؤكد المؤلف في كتابه أيضا أن النوم هو الموقف الملائم الوحيد للكف عن النشاط أو الاهتمام! فأن تحب يعني أن يكون لك موقف محب تجاه الشخص الذي تكن له هذه المشاعر طوال الوقت حتي في حالة غيابك أو غيابه الجسدي, أو انشغالك بعملك ومسؤليات الحياة, وحتي في حالة بعد المسافات للسفر أو أي سبب آخر, فثمة إحساس بالحضور القوي ينبغي أن تنجح في أن تؤكده داخله إذا ما أردت استمرار الحب.