شيء من الخيال يكفى لأن تُنتزع روحك بعض الوقت من الدنيا إلى عالم آخر، لا يصل إليه إلا قلب مرهف لا يعرف غير الحب بلا هدف أو ثمن غير السعادة المطلقة، ولكنه خيال خاطف سرعان ما يتبخر من لفحة نيران تكتوى بها الروح فى آتون واقع لا يعرف غير القيمة المحددة لكل شيء، لقد فهمت من دراستى للفلسفة فى الكلية أن تغليب المادة على الروح يعنى إعلاء مبدأ المصلحة على كل شيء، ولو تحولت أجسادنا إلى سلعة تباع وتشترى، وأن واقعا وُجدت فيه يفرض على تلك الحياة لابد وأن أقاوم آلياته القميئة وأتمرد عليه بقوة الحب الذى سكن قلبى تجاه زميل لى فى الجامعة، ولكن الحب فى نفسى كان برومانسية زمن مضى وولت أخلاقياته أضعف من أن يواجه أمواجا عاتية لواقع مرير جعل من جمالى سلعة يطمع يها الغادى والرائح، وعلى أن أتجاوب طاعة لوالدى الذى يرى مصلحتى فى الزواج من رجل ميسور وضمانا لمستقبلى كما تقول زوجة والدى التى تسعى للخلاص منى بأى ثمن وليذهب الحب إلى الجحيم طالما محفظة الحبيب خاوية . كثيرا ما كنت أقول لنفسي إني أتيت إلي الدنيا في زمن لا يناسبني, وأن زمانا كزمن الأربعينيات أو الخمسينيات كان الأكثر ملاءمة لي, كانت المرأة في هذا الزمن أكثر احتراما في عين الرجل حتي انزواؤها في البيت لا أري فيه تجبرا بقدر ما فيه من ستر وحماية وتحمل للمسئولية من قبل الرجل عكس ما تعيشه المرأة اليوم فهي كالمعلقة من رقبتها في عامود ساقية تدور بها سحلا وشقاء ليل نهار بلا توقف ما بين العمل صباحا ومرمطة الشوارع وانتهاك صحتها وآدميتها ليلا, والشاطرة اللي تختار راجل مريش يشتريها ويشتري راحتها, بمنطق الملكية ومصلحة اللذة واللي تكسب بيه العب بيه, وبهذا المنطق نفسه كان زواجي وأنا بعد لم أنه دراستي الجامعية, لم أستطع الرفض فأهلي من جذور صعيدية لديهم بعض الأفكار البالية من أزمان ولت بأن البنت عار وفي زواجها ستر وإن تمردت فهي خاطية ودبحها حلال دمها يطهرها وأنا واحدة من هذا المجتمع الذي لا يتردد في بيع ابنته لأي نخاس طالما يقدر علي ثمنها ولايهم إن كانت سعيدة أم لا! وجدتني مجبرة علي العيش مع رجل سنه يقارب عمر والدي وله زوجة أخري وأولاد من سني وطبعا لا يعيبه ذلك فالمال يجمله.. كتب لي شقة تمليك واشتري سيارة وأهداها إلي وبالبلدي كده صيغني وهنني وحسسني إني أميرة, ودارت الأيام دورتها بصورة سريعة ويرزقني الله بطفل ابتسامته كانت خيوطا من نور تبعث الحياة في ظلمة نفسي, لم أكن أستسيغ شيئا من حياتي قبل مجيئه حتي المال وزخرفه لم يغش عيني غير أن إحساسا بالأمل استضاء بولدي, نسيت نفسي ومشاعري الأولي نحو زميلي وبدأت أحب حياتي الجديدة بحبي لولدي وأحس ذلك زوجي مني فاقترب مني أكثر وبدأت أتوسم فيه مبادئ عيش وعشرة طيبة ولكنها لم تدم طويلا فقد وافته المنيه وابننا لم يكمل عامه الخامس بعد. وبدأت مرحلة جديدة من حياتي هي العذاب بعينه ولتريني الدنيا كيف أن المال الذي طمع فيه والدي وباعني به أصبح سبب شقائي وعذابي فقد طردني أولاد زوجي وأمهم من البيت وجردوني من كل شيء بحجة أن أبيهم قد كتب لهم ممتلكاته قبل أن يموت بيعا وشراء وأنني وابني ليس لنا في شيء ولم يكن أمامي غير الرحيل بولدي عائدة لبيت والدي مدمرة النفس محطمة لا أدري ما فعلت بي الدنيا وما فعلته بي أسرتي غير مصير مؤلم وحسرة تسكن النفس ولا تغادرها. لم يكن أمامي غير أن أسلك طريق القضاء بحثا عن حق ابني وكان مشوارا طويلا لم يقف إلي جواري فيه غير زميلي حبيب الماضي الذي لم ينس مشاعره نحوي, لم يتزوج, ولم يغادره حبي, قال لي إنه لن يتركني أضيع منه ثانية وأنه سيكون لي السند والزوج والأب لطفلي اليتيم, استطاع أن يقوي من عزمي حتي تمكنت من أن أثبت تحايل أولاد زوجي الراحل والحصول علي توقيع أبيهم علي أوراق البيع في أثناء مرضه وهو في غير كامل وعيه فضلا عن أن المورث لا يملك الوصية في كل ما يملك إلا في الثلث من ثروته وإجمالا لهذا كله نجحت في الحصول علي حق ابني الضائع بمساندة حبيبي الذي لم يتركني لحظة. وتقدم لي حبيبي يريد الزواج مني وكان الرفض حليفه من قبل والدي لتكتمل ملهاة عذابي وحجة والدي هذه المرة أنه طامع في إرثي وإرث ابني ولكني لم أكن خانعة ضعيفة مستسلمة, دافعت عن حبي وواجهت والدي برفضي لدكتاتوريته وأنني الآن صاحبة القرار علي نفسي وقلت له إن ضعفي واستسلامي لأطماعه في المال الذي باعني به دمرا حياتي ولن أستسلم مرة أخري وسأتمسك بالحب بالرغم من كل ماديات الحياة ومظاهرها الكاذبة, واستطعت إجبار أسرتي علي الموافقة وتمت الخطبة ولكن القدر هذه المرة هوالذي لا يريد لزواجنا أن يكتمل وأراد أن يخيرني بين حبيبي وابني فما إن علم أهل زوجي الراحل بخطبتي حتي قرروا أن يردوا لي انتصاري عليهم وحصولي علي حقي وحق ابني منهم بحكم قضائي بأن رفعوا علي دعوي قضائية لضم حضانة طفلي علي اعتبار أنهم أشقاؤه وأولي به مني لزواجي من رجل آخر وهم لا يريدون لابنهم أن يعيش في كنف رجل غريب, وبالطبع لو انتقلت لهم حضانة الطفل سوف تنتقل لهم بالتبعية الوصاية عليه وعلي أمواله. لا أدري ماذا أفعل هل أترك حبيبي بعد كل هذا العذاب والصبر خوفا علي مستقبل ابني وأمواله؟ هل أقوي علي ذلك الإحساس المميت بفراق ابني وفرحة عمري كله؟ يا إلهي لا أقوي علي كل هذا وإن كان اختبارا منك فأنا صابرة محتسبة مؤمنة برحمتك ولا ريب عندي في أنك لن تتخلي عني وابني. سيدي أكتب لك ولا أدري إن كان لديك حل لمأساتي أم لا ولكني أخرجت ما في نفسي وفي هذا راحة لي فقط الأحداث ما مضي منها بألم وعذاب أشبه ببركان تنصهر له نفسي وما خمد إلا بأن أخرجت ما في نفسي من يأس وآمال مستحيلة وليفعل الله ما يريد. م. ب. س. القاهرة