لقد جاءت دعوة الدين الحنيف شاملة لكل مناحي الحياة, ولكل ما يصلح الناس في معاشهم ومعادهم, ومن أسسها مع الأمر بعبادة الله وحده الدعوة إلي إقامة العدل وإعطاء الحقوق, والنهي عن الظلم والإفساد في الأرض . وهذا تفسير علي أكثر الآراء لقوله تعالي ولا تبخسوا الناس أشياءهم سورة الأعراف:.85 ولا تظلموا الناس حقوقهم, ولا تنقصوهم إياها. والبخس هو النقص بالتعييب والتزهيد, أو المخادعة عن القيمة, أو الاحتيال في التزيد في الكيل أو النقصان منه وكلمة أشياء جاءت بعد النهي عن نقص المكيال والميزان, فهو عموم بعد خصوص, ليشمل جميع ما يمكن بخسه من القليل والكثير, والجليل والحقير. عامة ويقصد بها أي شيء حتي لو كان معنويا وسياق الآية وإن كان يدل في ظاهره علي أن المقصود المباشر ب( أشياءهم) هنا ما يتبادله الناس في معاملات هم من المتاع, إلا أن ما يملكه الناس ويتمتعون به من أخلاق وأفكار وتاريخ... أولي بإقامة العدل وإنزاله في منازله من غير بخس ولا شطط لما يترتب علي الإخلال بذلك من الحقد والقطيعة والفرقة وأوصي الدين الحنيف المؤمنين بإقامة العدل مع الناس كافة حتي الأعداء الذين يبغضونهم ويحاربونهم, فقال تعالي: ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي.المائدة:.8 وظلت روح العدل والإنصاف سارية في الأمة حتي فقدنا معني هذه الآية الكريمة, ونشأ عن هذا الفقد تراجع الجوانب المختلفة من حياة المسلمين وصار المنصفون الذين يجردون الشهادة لله, ويضعون الأمور في مواضعها دون بخس أو تزيد من القلة الذين يشار إليهم بالبنان لأنه إذا كان وفاء الكيل هو أول مقصد مع أن الخسارة فيه طفيفة, إذن فبخس الناس أشياءهم المعنوية يكون من باب أولي. وتؤكد ضرورة الإنصاف, لتشمل كل حق حسي أو معنوي ثبت لأحد من الناس. ولذلك يجب علي كل إنسان عدم بخس الناس حقوقهم. وفي واقع المسلمين ما يندي له الجبين من بخس للحقوق, وإجحاف وقلة الإنصاف, حتي أدي ذلك إلي قطيعة وتدابر, وصور بخس الحقوق في زماننا كثيرة, وهي من أسباب المحق, ومن البخس المتفشي في زماننا بخس الزوجة حق زوجها, وبخس الزوج حق زوجته, وقد سماه النبي- صلي الله عليه وسلم- في حق الزوجة كفرانا ومن صور البخس في المقابل: بخس الزوج لحق زوجته كأن يقلل من شأن تعبها, وخدمتها, ورعايتها له ولأبنائه. والبخس في المعاملات وإذا نظرنا إلي التعليم وجدنا بخسا مشتركا في بعض الأحيان, في حق المعلم للتجرؤ عليه سواء كان في بدنه, أو علمه أو سمعته ونحو ذلك؟ ومن البخس في المقابل بخس الطالب حقه, وتفضيل غيره عليه مع التساوي, فهذا حرام, وهو مناف للعدل.