(ولا تبخسوا الناس أشياءهم) هي قول شعيب عليه السلام لقومه( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين)( الأعراف:85) وسياق الآية وإن كان يدل في ظاهره علي أن المقصود المباشر ب( أشياءهم) هنا ما يتبادله الناس في معاملات هم من المتاع, إلا أن ما يملكه الناس ويتمتعون به من أخلاق وأفكار وتاريخ.. أولي بإقامة العدل وإنزاله في منازله من غير وكس ولا بخس ولا شطط لما يترتب علي الإخلال بذلك من الحقد والقطيعة والفرقة وذهاب الريح... ولما كانت أصول دعوات الأنبياء عليهم السلام واحدة فإن الأمر بإقامة الموازين والحكم بالعدل والإنصاف ظل الوصية الخالدة التي يوجهها كل نبي إلي قومه, لأنه بالعدل قامت السماوات والأرض... وقد أوصي الله تعالي رسوله محمدا صلي الله عليه وسلم أن يعلن لأمته أمر الله له بإقامة العدل فيها, فقال:( وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم)( الشوري:15). وأوصي المؤمنين بإقامة العدل مع الناس جميعا حتي الأعداء الذين يبغضونهم ويحاربونهم, فقال تعالي:( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون)( المائدة:8). وقد كان صلي الله عليه وسلم يقوم لله بالشهادة فيعطي كل ذي حق حقه, وفي سيرته العطرة مئات الشواهد التي تفيد التزامه المطلق بإنزال الناس منازلهم, وذكر محاسنهم وميزاتهم, مهما كان انتماؤهم وحيث كان موقعهم فهذا هو يقول: أصدق كلمة قالها شاعر لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل. مع أن لبيد وقتها كان كافرا, وكان بإمكانه عليه الصلاة والسلام أن يثني علي شعر بعض أصحابه المملوء حكمة وهدي بدافع حصر الخير فيهم, ولكن الالتزام بالحق والإنصاف وعدم بخس أحد حقه يأبي ذلك فأثني علي كلام رجل كافر.