لاندري ما هو المعيار الذي يحتكم إليه البشر في منح هذا أو ذاك لقب الكاتب الكبير, هل هي قيمة ما يكتبه أم أنها الشهرة أم ماذا في حالة توفيق الحكيم. فإننا نعتقد أن حجمه جاء من حجم معاركه, ومن ارتبط بهم, إيجابا أو سلبا, فبداية من الأربعينيات والحكيم يدخل في صراعات حادة تصل إلي تبادل الشتائم, أو شتائم من طرف واحد, وكانت هذه الصراعات عادة مع الكبار, بداية من شيخ الأزهر وليس نهاية بالسادات. ولعل أبرز ما يمكن الحديث عنه في هذا الصدد هو علاقته بعبد الناصر, التي تشكلت بين عودتين, فقد أتخذه ناصر بمثابة الأب الروحي لثورة23 يوليو, بسبب العودة الأولي عودة الروح التي أصدرها الحكيم عام1933, ومهد بها لظهور البطل المنتظر الذي سيحيي الأمة من رقادها. ومنحه جمال عبدالناصر عام1958 قلادة الجمهورية, وحصل علي جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام1960, ووسام العلوم والفنون من الدرجة الأولي في نفس العام. ولم يذكر أن عبد الناصر منع أي عمل لتوفيق الحكيم, حتي عندما أصدر السلطان الحائر بين السيف والقانون في عام1959, ووصل الأمر أن عبد الناصر كان يستقبل الحكيم في أي وقت وبغير تحديد لموعد. وهو ما أكده الحكيم نفسه في جريدة الأهرام في15 مارس1965. حتي عندما انتقده وزير التعليم القباني قائلا لعبد الناصر: إن الحكيم ليس إداريا وإنه كسول وكونه أديبا مشهورا ليس معناه أنه يصلح لإدارة دار الكتب. وطالب عبدالناصر بإقالته, إلا أن عبد الناصر قال: لا أرضي للثورة أن تضع هذه النقطة في تاريخها, فقدم القباني استقالته احتجاجا علي تمسك عبدالناصر بالحكيم. وبعد وفاة عبدالناصر عام1970 وأثناء تأبين الزعيم سقط توفيق الحكيم مغميا عليه وهو يحاول تأبينه وبعد أن أفاق قال خطبة طويلة من ضمنها: أعذرني يا جمال. القلم يرتعش في يدي. ليس من عادتي الكتابة والألم يلجم العقل ويذهل الفكر. لن أستطيع الإطالة, لقد دخل الحزن كل بيت تفجعا عليك. لأن كل بيت فيه قطعة منك. لأن كل فرد قد وضع من قلبه لبنة في صرح بنائك. إلا أن الحكيم في عام1972 أصدر كتاب عودة الوعي مهاجما فيه جمال عبدالناصر بعنف. ترتبت علي عودة الوعي ضجة إعلامية, حيث اختزل الحكيم موقفه من التجربة الناصرية التي بدأت كما ذكر: يوم الأربعاء23 يوليو1952 حتي يوم الأحد23 يوليو1973, واصفا هذه المرحلة بأنها كانت مرحلة عاش فيها الشعب المصري فاقدا الوعي, مرحلة لم تسمح بظهور رأي في العلن مخالف لرأي الزعيم المعبود. وأعلن في كتابه أنه أخطأ بمسيرته خلف الثورة بدون وعي قائلا: العجيب أن شخصا مثلي محسوب علي البلد هو من أهل الفكر قد أدركته الثورة وهو في كهولته يمكن أن ينساق أيضا خلف الحماس العاطفي, ولا يخطر لي أن أفكر في حقيقة هذه الصورة التي كانت تصنع لنا, كانت الثقة فيما يبدو قد شلت التفكير, سحرونا ببريق آمال كنا نتطلع إليها من زمن بعيد, وأسكرونا بخمرة مكاسب وأمجاد, فسكرنا حتي غاب عنا الوعي. أن يري ذلك وبسمعه وألا يتأثر كثيرا بما رأي وسمعه ويظل علي شعوره الطيب نحو عبدالناصر. أهو فقدان الوعي. أهي حالة غريبة من التخدير. وكان هذا التبدل في موقفه سببا في فقدان المصداقية لدي الكثيرين, ولا يتسع المجال هنا لسرد جميع معارك الحكيم, ولايومياته التي كتبها في الأرياف, ولا مسرحه الذي قال عنه إنه لا يصلح للتمثيل علي الخشبة, واليوم تحل الذكري الرابعة والعشرون لوفاة الحكيم وربنا يرحم الجميع.