الكتاب عنوانه: جمال عبد الناصر من القرية إلي الوطن العربي الكبير.1918-1970 كاتباه هما: الدكتور خالد عزب, وصفاء خليفة. وناشره هي الدار المصرية اللبنانية. وهو سفر جليل يقع في أكثر من550 صفحة من القطع الكبير العريض, فيه كتابة وفيه صور الكثير منها ينشر لأول مرة. والكتاب يشكل جزءا من مكتبة كاملة عن جمال عبدالناصر, لم يقم أحد بإحصاء ما صدر فيها من الكتب. سواء في حياته أو بعد رحيله. أما عن مبرر كتابة الكتاب نقرأ, سأل حفيد عربي جده: من هو جمال عبد الناصر؟! دهش الجد من سؤال طفله, فهو الذي عاش مع جمال عبد الناصر لحظات الانتصار في حرب السويس سنة1956, ولحظات تحرير الدول العربية من الاستعمار من الخليج إلي المحيط, وأيام كان للعرب عز يعتزون به ومجد يفتخرون بتحقيقه, مع زعيم لم ينكسر حتي لحظة الهزيمة, ولكل من يسأل: من هو جمال عبد الناصر؟ ولكي نروي ظمأ المعرفة, ولكي نجدد ذاكرة العرب المعاصرة, نقدم تأريخا لجمال عبدالناصر, الزعيم والأب, بالكلمة والصورة والتعريف المسهب لحياته. قراءة هذا الكتاب والتحديق في صوره الكثيرة تعيد الإنسان من جديد إلي تلك السنوات من1952 حتي1970, سألت نفسي أكثر من مرة: من يذكر تلك الأيام الآن؟ ربما كانت آخر مرة حدقنا فيها في تاريخها وبطولتها كانت في الخامس والعشرين من يناير الماضي عندما طرح السؤال نفسه علينا مرة بالتشابه, وأخري بالاختلاف بين يوليو1952 ويناير.2011 قال بعض الشباب إن يناير2011 كان ثورة علي يوليو1952, ولم يعجبني الكلام, لكن بعض العواجيز من أمثالي راحوا يقارنون بين الثورتين, فخرج علينا الشباب يقولون إن1952 كان انقلابا عسكريا أيده الشعب ومنحه صفة ثورة, لكن الخامس والعشرين من يناير كانت ثورة ابنة فائض الغضب المصري الذي كان يملأ كل بيت ويعبر عن فورانه بأكثر من صورة ربما كان آخرها ذلك الانفجار الشعبي الهائل. ولأن التاريخ لا يبقي سطورا جافة, ولا بد من أنسنته خاصة لمثلنا ممن عاصروا مثل هذه الأحداث, فالسفر يبدأ من قرية بني مر في صعيد مصر, ثم الإسكندرية الميلاد والنشأة حيث ولد جمال عبد الناصر في15 يناير سنة1918, ولست أدري أين قرأت أن عبد الناصر لم يولد في المنزل رقم18 شارع أنواتي حي باكوس بالإسكندرية, وإنما ولد في قرية صغيرة اسمها الضهرية. كانت تقع بالقرب من حي باكوس, لا أقول هذا لأن أكثر قري في مصر والوطن العربي تحمل إسم الضهرية, أسسها وبناها الظاهر بيبرس, منها قرية في فلسطين وقرية في جنوب العراق وقرية في البحيرة وقرية في شربين بالدقهلية. في هذا الكتاب أول مقال كتبه عبد الناصر. كان عنوانه: فولتير رجل الحرية. وخلال دراسته قرأ جمال عبد الناصر كتاب: الأيام. لطه حسين. وخلال مطالعته له احترم تلك الإرادة الحديدية الجبارة التي غمر بها المؤلف بطل الأيام وجعله يسخر من الطبيعة ويتحدي العقبات, ويكون كما أراد لنفسه أن يكون, وفي هذه المرحلة تأثر عبد الناصر بكتابات العقاد وتوفيق الحكيم. حيث ركز العقاد علي أبطال الحضارة الإسلامية,بينما تبني الحكيم فكرة خلود وإحياء مصر علي يد بطل تاريخي في عودة الروح, وعندما أصبح عبد الناصر رئيسا لمصر ونشر كتابه: فلسفة الثورة1954 أهدي كتابه لهما تقديرا لدورهما وتأثيرهما في تشكيل أفكاره الوطنية, ثم أهدي توفيق الحكيم وسام الجمهورية الذي كان الوسام الثاني في مصر. وفي1934 بدأ الطالب جمال عبد الناصر حسين وكان في السادسة عشرة من عمره تأليف رواية: في سبيل الحرية. التي تتصدر صفحتها الأولي صورة عبد الناصر وتتناول في مضمونها المعركة الخالدة التي خاضها أهل رشيد بمصر سنة1807 عندما تصدوا للحملة الفرنسية بقيادة فريزر وألحقوا بها هزيمة منكرة, ثم تتناول مقدمات الحملة الفرنسية وبعدها الاحتلال البريطاني, لكنه لم ينته منها, وإنما كتب ستة فصول استكمل بعده الصورة القاص عبد الرحيم عجاج, وقام بنشرها في الخمسينيات. عندما رحل عبد الناصر تغني به الشعراء بعد أن شاهدوا جنازته التي وصفت بجنازة القرن, لكن في هذا السفر الكبير ثلاث قصائد فقط: رسالة إلي جمال عبد الناصر لنزار قباني, وقصيدة أهكذا تفارقنا للشاعر السوداني الهادي آدم الذي عرفناه عندما غنت له أم كلثوم قصيدته: هذه ليلتي, ثم قصيدة: الوداع يا جمال يا حبيب الملايين. للشاعر عبد الرحمن عرنوس, وإن كنت أعتقد أن هذه القصيدة الأخيرة ألفتها الناس في شوارع مصر وهي تبكي رحيل عبد الناصر. لماذا أكتب هذا الكلام الآن؟ ليس تقديسا لعبد الناصر. ولا تنزيها للرجل, ولكنها محاولة لكي ننظر في تجربة إنسانية تثبت لنا تجارب الأيام أنها حتي مع حسابات الخطأ والصواب والربح والخسارة كانت من التجارب العظيمة في حياة المصريين وأمة العرب والعالم الإسلامي, بل وربما العالم الثالث والدنيا كلها. المزيد من مقالات يوسف القعيد