تتميز أسوان باحتفالات من نوع خاص, ابتهاجا بالمولد النبوي.. وتتزين جدران المنازل وبعض المحال التجارية وتزدهر حركة الخطاطين بالكتابة علي الجدران عبارات ومأثورات.. ولد الهدي فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء, وأجمل منك لم تر قط عيني وأجمل منك لم تلد النساء,.. يا سيدي يا رسول الله.. وغدا يحتفل العالم الإسلامي وتحتفل البشرية جمعاء بالمولد النبوي الشريف, حيث تتباري المحافظات في الاحتفال بهذه الذكري العطرة كل حسب عاداته وتقاليده. يبدأ المولد النبوي عند الأسوانية بعد ثبوت رؤية هلال شهر ربيع الأول, وبثبوت الرؤية تنتشر فروش بيع الحلوي بالطرق والشوارع, خاصة التي تتصل بساحة الاحتفال الكبري بأرض المعارض, وهي الساحة التي تم تخصيصها للطرق الصوفية وتستضيف أشهر المداحين في الليلة الختامية ليلة الثاني عشر من شهر ربيع الأول. زفة الطرق وفيما استعدت المحافظة لاستقبال آلاف المواطنين كعادتها كل عام, يقول أشرف أمين سعد الدين وكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية بأسوان إن ساحة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بأسوان, تنقلت في السنوات الماضية مابين مناطق القطبي والمطار ومنشية النوبة ورمسيس والطابية حتي استقرت حاليا بأرض المعارض بالقرب من مقابر الصالحين ومقبرة النجومي, مضيفا أن أسوان تتمتع بجاذبية خاصة في احتفالها, حيث يقبل عليها المواطنون من كل المراكز و المحافظات المجاورة, ويقول إن مراسم احتفال الليلة الختامية تبدأ بالدورة أو زفة الطرق الصوفية التي تنطلق بمسيرة ضخمة في شوارع المدينة حاملة الأعلام والبيارق بدءا من مقر إقامة شيخ الطرق ورئيس لجنة المولد الذي يمنحها إذن السير لتطوف شوارع أبطال التحرير وكورنيش النيل وصلاح الدين وشرق البندر حاملة الأعلام ومكبرات الصوت, حتي تصل إلي مقر الاحتفالات الرسمية, وهناك تتجلي روعة الاحتفال بحضور القيادات الدينية الإسلامية والمسيحية الذين يتبادلون الكلمات في حضور المحافظ ومدير الأمن وآلاف المواطنين الذين جاءوا من مختلف محافظات الصعيد ومراكز المحافظة. حسن التنظيم ويستعيد الدكتور شوقي حافظ الأستاذ بكلية الفنون التطبيقية ذكريات أسوان مع المولد النبوي الشريف قديما قائلا: كان لاحتفالات الأسوانية مظاهر جميلة, وكانت تشكل لهذا الغرض لجنة تضم شخصيات أسوانية معروفة من القيادات الكبيرة مهمتهم الأساسية هي العمل علي تنظيم الاحتفال وخروجه في أبهي صورة بما يليق بجلال الاحتفال, أما الزفة فقد كانت تطوف الشوارع الرئيسية ومنها شارع عباس فريد الذي كان يسمي الشارع الجديد ويشارك فيها بعض الهيئات الحكومية مثل الشرطة والمطافئ والإسعاف والطرق الصوفية التي يتقدمها الخليفة أو النقيب ممتطيا حصانه, ومن بين هذه الطرق كان أداء الطريقة البرهانية الذي يتميز بالإنشاد الرائع وحسن التنظيم, فيما تتفنن الطريقة الرفاعية بأداء الأعمال التي تتسم بالخطورة مثل إدخال أدوات حادة في فم المريدين وسط تهليل الأهالي وصيحاتهم. سرك يا صاحب المولد ويتدخل المهندس أحمد بحر ثابت بالمعاش قائلا: كانت ساحة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في قلب المدينة يتم رشها بالماء من السقاة وسيارات المطافئ, كما كان سوق الحلوي يقام في المساء ومن أشهر العبارات التي كان ينادي بها باعة حلوي المولد للترويج والدعاية سرك يا صاحب المولد ويصاحب هذا النداء نثر الحلوي علي زائري السوق لجذب الزبائن, والغريب وكما يقول إن معظم باعة حلوي المولد كانوا من أصحاب الحرف التي لا ترتبط بصناعة وتجارة الحلوي بأي صلة, فمثلا كان يشارك في بيعها تجار الموبيليا والخردة, الذين يقومون بتصنيع وتجهيز أصنافها في البيوت القديمة الشهيرة. ويعود بحر بالذاكرة إلي القرن الماضي, موضحا أن لجنة الإشراف علي المولد التي لا تزال قائمة بمسماها نفسه حتي الآن كانت تتولي أيضا توفير السكر والزيت وتوزيعه ببونات علي معامل الحلاوة والتجار الموسمين, وكذا توفير بونات خاصة بأثواب قماش الدبلان ومكونات البويات لزوم اللافتات التي كانت تزين ساحة المولد وشوادر التجار. أكبر احتفال وعن زفة ليلة المولد الختامية, يتحدث سيد أبو بكر مغربي- تاجر- قائلا إن زفة المولد النبوي الشريف في أسوان لا تزال هي أكبر احتفال شهير بين جميع تاريخ طويل ولم تتوقف حتي في السنوات التي أعقبت ثورة يناير2011, حيث يتوافد علي المدينة لرؤيتها وحضورها الآلاف من أبناء محافظات الصعيد, ويروي أبو بكر ذكريات هذه الزفة أو الدورة قائلا إنها كانت تضم أرباب المهن المختلفة كالمنجدين والحدادين الذين كانوا يضعون الكير والسندال فوق عربة كارو ويتم بعدها إشعال النيران وصهر الحديد والطرق عليه في تناغم موسيقي وكأنه زفة الحديد التي تشد انتباه جميع أهل أسوان ورواد المولد الذين يخرجون إلي الشوارع رجالا ونساء وأطفالا لمتابعتها, كما كان الترزية يرفعون ماكينات الخياطة فوق عربة تزينها ورود الجهنمية ذات اللون الأحمر, ويقوم الصيادون بحمل قارب صغير ممتلئ بالأسماك. الحلوي الأسوانية وعن أشهر حلوي المولد المصنعة بأيادي أسوانية قديما, يشير إبراهيم الرشيدي نجم الدين بالتربية والتعليم سابقا إلي هريسة بعيرون ذات اللونين الأبيض والأحمر, والعلف الملون الرخيص, وهريسة هيرون ومأمون, وحلوي ست الحسن المضاف لها جوز الهند والزبيب والمكسرات. ويقول الرشيدي: بعد تصنيع العروسة والحصان من السكر المنصهر, كان فنانو أسوان يتنافسون في وضع لمساتهم الفنية علي العرائس بتفصيل فساتينها المزينة بأوراق الكوريشة ذات الألوان الزاهية وطرح القصدير, بينما كانت الخلفية عبارة عن مراوح ورقية ملونة, وتشد العروسة علي كراتين الأحذية المقلوبة قبل أن يتم تغطيتها بالجلاد الملون وتثبيته بالصمغ والعجين وعرضها بعد ذلك للزبائن, والجميل وكما يقول إن الشباب والفتيات من أبناء المدينة كانوا يقومون بنقل العرائس والأحصنة المزخرفة من البيوت والمعامل إلي الفروش المختلفة بساحة المولد, ويتجلي الجمال الأسواني كله متوجا بالتكافل الاجتماعي بين أهل أسوان في الليلة الختامية الكبيرة عندما يحمل الأطفال أكياس الحلوي هدية من كل فرش لتوزيعها علي الأهل والجيران في محبة وإخاء. فهل تعود هذه العادات الجميلة التي تغيرت في المجتمع الأسواني مع تغير الزمن.