تشير استقالة الوزيرين البريطانيين ديفيد ديفيس وزير بريكست وبوريس جونسون وزير الخارجية, اللذين يؤيدان الخروج من دون تنازلات من الاتحاد الأوروبي, انه بإمكان حصول تبدل في موقف لندن في اتجاه مقاربة أكثر براجماتية لهذا الملف. أربعة أيام فقط كانت كافية لتغيير مشهد المفاوضات, فكل شيء بدأ الجمعة الماضية حين عرضت رئيسة الوزراء تيريزا ماي اقتراحها القاضي بإنشاء منطقة تبادل حر للسلع بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. كان الهدف واضحا, الا وهو الحفاظ علي علاقة تجارية وثيقة مع التكتل علي أن يواكب ذلك وضع مجموعة من القواعد المشتركة. لكن أنصار الانفصال من دون أي تنازل سرعان ما اعتبروا أن خطة ماي بمثابة خيانة لتصويت البريطانيين علي الخروج من التكتل الأوروبي, وفي مقدمتهم ديفيس وجونسون. سرعان ما أعلن الأول استقالته الأحد الماضي ولحق به الثاني الإثنين. وقال جونسون في خطاب استقالته أن حلم( بريكست) يحتضر. هذه الخطوة المفاجئة شكلت إحراجا كبيرا لماي, لكن المحللين يرون إنها قد تتيح لها في نهاية المطاف المضي في خطتها كما تشاء ومعاودة تبني موقف واقعي كانت الحكومة البريطانية تفتقر إليه حتي الآن. وبكلمة, بعدما حاولت طويلا أن تقيم التوازن المستحيل بين طموحات أنصار بريكست وخصومهم من مؤيدي الاتحاد الأوروبي, يبدو أن ماي قررت أن تنحو في اتجاه سياسة الممكن. وعلق الوزير السابق وليام هيج, ذو الصوت المسموع داخل حزب المحافظين برئاسة ماي, لصحيفة ذي دايلي تليجراف أن الوضع يتطلب واقعية شديدة. واعتبرت صحيفة ذي جارديان أن التعديل الحكومي أفضي إلي حكومة أكثر ليونة وبراجماتية واقل أيديولوجية. ومضت مجلة ذي سبكتايتور المحافظة أبعد من ذلك موضحة أن ما حصل يشكل انقلابا لمؤيدي الاتحاد الأوروبي الذين باتوا يتولون كل الحقائب الأكثر أهمية, في إشارة إلي استبدال بوريس جونسون بجيريمي هانت الذي كان مؤيدا للبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي في2016 قبل أن ينتقل إلي صفوف أنصار بريكست. بدوره, قال ستيف بيرز من جامعة ايسيكس أن الحكومة باتت تتشكل بوضوح من براجماتيين, أما الحالمون الذين يرفضون اي تسوية حول بريكست فبات وجودهم محصورا في مجلس العموم, لكن الوقت سيقرر ما اذا كان هذا الأمر سيستمر. الواقع ان ماي ليست في منأي من رد فعل, وربما من عصيان يقوم به النواب المناهضون لأوروبا, وخصوصا ان البرلمان سيناقش العديد من مشروعات القوانين المرتبطة ببريكست, وقد يقول كلمته في الاتفاق النهائي الذي يتم التفاوض في شأنه مع بروكسل. وفي هذا السياق, تساءل كونستانتين فرايزر من مركز تي اس لومبارد للابحاث كيف يمكن ان تنجح ماي في تخطي البرلمان اذا كانت غالبيتها رهنا بالمشككين في الاتحاد الاوروبي الذين يرفضون مشروع التبادل الحر ولا مشكلة لدي كثير منهم في خروج المملكة المتحدة من الاتحاد حتي من دون اتفاق؟. واعتبر في ضوء ذلك ان تيريزا ماي التي وصفت تكرارا بأنها في موقع ضعف قد تكون عززت موقفها أقله علي المدي القصير باستقالة ديفيس وجونسون اللذين دأبا علي مواجهة رئيسة الوزراء فيما يتصل بتوجهات بريكست. وأضاف أن الأكثر تشكيكا في الاتحاد الأوروبي قرروا التخلي عن اي تأثير داخل الحكومة, ويبدو واضحا أن يمين الحزب( المحافظ) لا يملك الوسائل للاطاحة بماي, علي الاقل ليس في خضم المفاوضات حول بريكست. في المقابل, رحب الأوروبيون في ردود فعلهم الأولي برياح التغيير التي هبت في لندن, وذلك بعدما عبروا في الأسابيع الأخيرة عن نفاد صبرهم مع اقتراب موعد الخروج المقرر في29 مارس.2019