لإجراءات التي فرضتها قوانين الرقابة المصرية الصارمة علينا نحن أهل الفن في لبنان وسوريا باتت تتنافي وروح الثورة التي من أسسها تقوية العلاقات الأخوية الطبيعية بين مصر وكل قطر عربي. لماذا ياسيدي الرئيس يفرض علي أن أتوجه بكتاب إلي وزارة الداخلية في القاهرة لتوافق علي منحي سمة الدخول إلي مصر ولا يفرض لبنان بالمقابل سوي طلب بسيط تتقدم به الفنانة المصرية إلي سفارتها في القاهرة لا لوزارة داخلية لبنان اكان هذا هو نص الرسالة التي أرسلتها ألكسندرا بدران الشهيرة ب نور الهدي إلي جمال عبدالناصر عبر مجلة الشبكة عام1956 تشكو إليه صعوبة الإجراءات المفروضة عليها في مصر مما أدي إلي أن تتركها نهائيا, وهو ما يعني اعتزالها الفن إذ إنه ليس كل مطربة فيروز وباستثناء فيروز لم يكن ممكنا لمطربة أن تنجح بعيدا عن القاهرة. لكن لماذا تواجه هذه الإجراءات نور الهدي تحديدا؟ تجيب هي عن ذلك بنفسها في لقاء تليفزيوني لها عام1991, وكذلك ما ذكره أسعد المخول الكاتب اللبناني عنها في كتابه عنها, ومنها نفهم أنها ولدت في تركيا عام1924 حيث كان يعمل والدها المهووس بالتأليف الغنائي. وعادت إلي بيروت صغيرة لتعيش في حي المزرعة, وهنا أدي زوج عمتها دورا اساسيا في اكتشاف موهبتها في الغناء وساعدها ضد رغبة والدها الذي كان يرفض ميولها الفنية وكانت حلب هي مفترق الطرق. هنا استمعت إليها الفنانة فتحية أحمد ذات يوم من عام1942 فأعجبت بها وكانت بداية طريق النجومية عندما قدمتها ليوسف وهبي( ساذجة فتحية أحمد, علي عكس أم كلثوم كما سنري). كان وهبي يقوم بجولة في سوريا بحثا عن وجوه جديدة فأعجب بصوتها ثم بقوة شخصيتها. وعلي الفور طلب منها الحضور إلي مصر لتمثل معه في فيلمه جوهرة. في القاهرة, حيث كان الغناء شرطا للتمثيل وقع يوسف بك وهبي عقدا مع الفنانة الصاعدة لمدة خمس سنوات. فيلمهما المشترك الأول الجوهرة1943 حقق نجاحا كبيرا وكانت الولادة الجديدة لألكسندرا بدران إذ اختار لها يوسف بك وهبي اسم نور الهدي. واستمرت في سكة الجواهر فقامت ببطولة فيلم برلنتي الذي غنت فيه من ألحان رياض السنباطي والقصبجي ثم اختارها الموسيقار محمد عبدالوهاب لتشاركه بطولة آخر أفلامه لست ملاكا وشكلت مع فريد الأطرش ثنائيا, ومثلت معه في أفلام عدة أبرزها: ماتقولش لحد. كانت هناك منافسة حقيقية علي نور الهدي بين النجوم والمنتجين. أمضت نور الهدي عشر سنوات من العمل في السينما المصرية وغنت ألحانا للعتاولة: رياض السنباطي ياأوتوموبيل, محمد عبدالوهاب ماتقوللي, محمد القصبجي يااللي تحب الفل, فريد الأطرش ياساعة بالوقت إجري. وكانت أفلامها أمام أحمد السقا وأحمد حلمي وأحمد عز أو من كانوا في نجوميتهم أيام الأربعينيات: يوسف بك وهبي, محمود المليجي, محمود ذوالفقار, أنور وجدي, وغيرهم لكنها الغيرة ياعزيزي, وعلي عكس فتحية أحمد تحركت أم كلثور بحسب شهادة نور الهدي نفسها,( التي لم تتزوج ولم تنجب وندمت علي ذلك) فقد واجهت العديد من العقبات فكثرت الشكاوي ضد نورالهدي. خاصة من رجاء عبده التي تحركت ضدها بتأييد الست. وعندما تؤيد الست فإن إدارة الشئون العامة في مصر تماطل في تجديد إقامة المطربة ثم تجبرها علي أن تتعهد لها خطيا بعدم اقامة أي حفلة في مصر وعدم المشاركة إلا في فيلمين في السنة بحد أقصي ويستمر التعنت ضدها( علي الأدق ضدنا) حتي تعتزل الفن نهائيا وترحل في مثل هذا اليوم من عام1998 وربنا يرحم الجميع.