العيد في أسوان ليس مجرد نزهة وفسحة في الحدائق أو جزيرة النباتات, ولكن عيد الفطر في الجنوب الساحر له طقوس وعادات لم تنقطع عند القبائل الأسوانية بمرور السنين, فالعيد في المدينة وداخل القري تميزه أواصر المحبة وصلة الرحم التي تبدأ من الاحتفال بليلة الوقفة, حيث تستعد العائلات لاستقبال يوم الجائزة بالسهر حتي الصباح لأداء صلاتي الفجر والعيد ثم البدء في العادات الموروثة منذ القدم. وكشفت تقاليد الأسوانية والنوبيين الجميلة في عيد الفطر عن الحرص علي زيارة المقابر وتناول وجبة السمك المطجن الصباحية وليلة الطعمية والشوربون والجاري عند أهل النوبة. ونبدأ من أسوان حيث تعد وجبة السمك هي الوجبة الرئيسية صباح يوم العيد وهي عادة توارثتها الأجيال جيل بعد جيل, ربما لأن فترة الصيام تمنعهم من تناولها خوفا من العطش, لذا فكل بيت أسواني يبدأ في تجهيزها عقب الإعلان عن ثبوت رؤية هلال العيد, وكما يقول أصوالي مرعي من قبيلة الأصوالية إن الطقوس القديمة تبدأ في الأيام الخمسة الأخيرة من رمضان حيث ترفع الأسر حالة الطوارئ بخبيز العيد وهو عبارة عن العيش البلدي الشمسي الملتوت والمنين والقرقوش, والمنين بكسر الميم هو عبارة عن مخبوز معجون بخميرة اللبن والحلبة وقليل من الكركم الذي يتبرك به الأصوالية إما بتوزيعه في المقابر ترحما علي أرواح الأموات وما يفيض يتناوله أفراد الأسر جماعة مع الشاي باللبن بعد العودة من زيارة المقابر. ويضيف محمد الداعون من ذات القبيلة أن وجبة عيد الفطر الرئيسية عند الأصوالية هي السمك المطجن وما أجمله عندما يكون ساموس أو قراقير, وعنه يقول إن المرأة الأصولية ماهرة جدا في طهي هذا النوع من الأسماك ويتذكر قائلا زمان كنا ننتظر ليلة العيد بفرحة شديدة, فمعظم البيوت القديمة كانت تمتلك الطابونة وهي الفرن البلدي التي تعمل من خلال الوقيد الذي يتم به إحماء الفرن المصنوعة من الطوب اللبن ومنها يخرج ألذ وأطعم بسكويت وكحك ومنين وطواجن سمك تكون جاهزة للإفطار. وينتقل عادل مغربي أحد أبناء أسوان للحديث عن تقاليد صباح العيد في مدينة أسوان قائلا إنها تبدأ بتوجه السيدات والفتيات والأطفال إلي المقابر لزيارة الموتي وقراءة الفاتحة وتوزيع الرحمة علي أرواحهم بعد الفجر مباشرة, ثم يتوجه الجميع لأداء صلاة العيد في المساجد والساحات وأشهرها ساحة الصالحين العتيقة, وأخيرا وعقب الصلاة تبدأ زيارات الأهل والأقارب لتبادل التهنئة بالعيد قبل أن يخرج الأطفال إلي المتنزهات اللبن والبلح في النوبة في النوبة ورغم تغير معطيات الزمن إلا أن أهل المنطقة لا يزالون يحافظون علي عادات وتقاليد لم تتغير علي الإطلاق, وأهم هذه العادات هي أطباق التمر باللبن داخل كل بيت مهما تكن حالته الاجتماعية, فاللبن والتمر هما كلمة السر في الاحتفال بالعيد المعروف بلغة النوبة ب الكوريه, وكما يقول وحيد يونس الباحث في شئون النوبة إن النوبيين يجسدون معاني التواصل والمحبة, وتعد صلات الرحم والتزاور ومواساة كل من فقد عزيزا لديه في يوم العيد كلمتا السر في الاحتفال الموروث, مشيرا إلي أن للنوبة باختلاف قبائلها الكنوز والفاديجكا والعرب جذرا واحدا لا ينقطع هو الجذر النوبي الأصيل, ويتحدث عن مظاهر الاحتفال بالعيد في النوبة قائلا إنها تبدأ بحرص السيدات علي زيارة أشقائهن اللاتي فقدن عزيزا لديهن بعد أذان الفجر, بينما يتوجه الرجال إلي المقابر لزيارة قبور الموتي, وهناك يتم وضع حبوب الذرة والقمح وسعف النخيل ورش المياه علي القبور قبل العودة لأداء صلاة العيد وتبادل الفاكهة والتمر المغلي في اللبن, ويضيف الباحث النوبي أن أهل النوبة يحرصون علي تبادل الزيارات فيما بينهم صباح يوم العيد, وذلك بزيارة العوائل وكبار السن وتستمر هذه الزيارات حتي الظهر ليتوجه الجميع بعد ذلك إلي المضايف لتناول الغداء الجماعي. وعن أشهر المأكولات والمشروبات النوبية في العيد يقول جاه الرسول حسن أحد الأهالي بكل تأكيد لا تختلف عاداتنا عما اكتسبناه من الفاطميين ولذا نبدأ يومنا بتناول الكعك والقراقيش وهي عبارة عن مخبوزات محمصة مخلوطة بالكركم والحلبة ويتم تناولها بعد غمسها في الشاي واللبن, بالإضافة إلي الشعرية باللبن التي تعد الطبق الرئيسي في أي بيت نوبي في العيد الصغير, وأيضا الجاري وهو نوع من مربي البلح المخلوطة بالترمس والحلبة والسمسم والقشرنقيق وتعد من الأكلات الشهيرة التي تمنح الجسد قوة هائلة بعد صيام شهر رمضان, هذا بالإضافة إلي المديدة وعصير البلح المعروف نوبيا ب الشوربون. بركة النيل.. والنوبة ويتحدث أيمن فؤاد من نصر النوبة عن علاقة النيل بالنوبة في الأعياد مؤكدا أن مابين النهر والنوبيين علاقة حب تضرب في جذور الأصالة منذ ألاف السنين, مشيرا إلي أن النيل هو نبع البركة التي يكتسبها الإنسان النوبي في جميع المناسبات ك سبوع الطفل والأفراح والأعياد, ويقول مازلنا نتمسك بهذه الصلة حتي الآن. أما عن العادات والتقاليد في مركز نصر النوبة فيشير إلي أنها تحرص أولا علي صلات الرحم, كما يشهد العيد أيضا مراسم الخطوبة وقراءة الفاتحة وعقد القران, تمهيدا لتحديد موعد الزفاف في عيد الأضحي الذي يشهد فيه مركز نصر توافد آلاف النوبيين المقيمين خارج المحافظة وفي الدول العربية لقضاء العيد والمشاركة في الأفراح.