ينفرد الشعب المصري عن سائر الشعوب العربية والإسلامية بطقوس خاصة في احتفالاته بعيد الفطر المبارك, توارثتها الأجيال منذ مئات السنين ولايزال الجميع يتمسك بها كتراث مصري أصيل. فبينما يتفق الجميع علي الخروج مبكرا لأداء صلاة العيد في الساحات ثم التوجه لزيارة المقابر تختلف العادات والتقاليد بين محافظة وأخري. في بني سويف تفتح دواوين العائلات أبوابها لاستقبال المهنئين وتبادل الزيارات.. وفيما يتصدر الكحك والبسكويت والعصيدة موائد الإفطار بالدقهلية ومطروح.. تتسيد القراقيش والشعرية باللبن والجاري والشربون فطور أهل النوبة. بينما يجتمع الأهل والأقارب حول أكلة الفسيخ والرنجة والأسماك علي الغذاء بالحدائق والمتنزهات وعلي كورنيش النيل بمعظم المحافظات الساحلية والمطلة علي النيل. فيما تتميز ليالي العيد في بادية سيناء بحفلات السامر التي تجمع معظم أفراد القبائل. تعد النوبة التي يتميز أبناؤها بسمار الوجه وبياض القلب هي التاريخ والعراقة وهي التي يشتم فيها عبق الماضي الذي مرت علي حضاراته أحقاب كثيرة بداية من الفراعنة وحتي العصر الإسلامي, ومع هذا لايزال هذا المجتمع الجميل الطيب يحتفظ بتراثه وعاداته وتقاليده التي لا تندثر, فعندما تري طفلا صغيرا يتراقص مع الأغاني النوبية ويتمايل مع رقصة الأراجيد, وهي رقصة نوبية مشهورة, فثق تمام الثقة أن ما يفعله هذا الطفل النوبي الجميل ما هو إلا امتداد لتراث ورثه عن أجداده في المناسبات والأعياد. النوبة هي النهر والكلام للباحث في شئون النوبة الشيخ وحيد يونس, ويضيف وللنهر روايات طويلة في التبرك في المناسبات السعيدة كسبوع الطفل والأفراح والعيدين أيضا, النوبة هي التمر واللبن اللذان لا ينقطعان عن أي بيت مهما كان مستواه الاجتماعي فقيرا أم غنيا, فهما كلمتا السر في الاحتفال بالأعياد وتحديدا في عيد الفطر المبارك الذي يجسد فيه النوبيون صلات الرحم والتزاور ومواساة كل من فقد عزيزا لديه. ويستطرد قائلا: إن للنوبة باختلاف قبائلها الكنوز والفاديجكا والعرب جذرا واحدا لا ينقطع هو الجذر النوبي الأصيل, فالعيد عندنا بلغتنا اسمه كوريه وهو مشتق من كلمة كوريجيه أي يوم الأحد, ومظاهر الاحتفال بالعيد في النوبة تقوم في الأساس علي صلة الرحم التي لا تنقطع, وتستقبل النوبة العيد أولا بحرص النساء علي زيارة السيدات اللاتي فقدن عزيزا لديهن, وذلك بعد أذان الفجر مباشرة, وهو نوع من المواساة المجتمعية والشد من الأذر والتخفيف من حزن أهالي المتوفين في أول عيد يمر عليهم بدونهم, فيما يتوجه الرجال إلي المقابر لزيارة الموتي, حيث يتم وضع حبوب الذرة والقمح وسعف النخيل ورش المياه علي القبور ثم يعودون لأداء صلاة العيد وتبادل الفاكهة والتمر المغلي في اللبن عقب الفروغ منها. ويضيف الشيخ وحيد أن النوبيين حريصون علي تبادل الزيارات صباح يوم العيد, وتستهل العائلات أول يوم بزيارة العوائل وكبار السن وتستمر حتي الظهر ليتوجه الجميع بعده إلي المضايف لتناول الغداء الجماعي. وينتقل يونس للحديث عن أشهر المأكولات والمشروبات النوبية في العيد ويقول بكل تأكيد لا تختلف عاداتنا عما اكتسبناه من الفاطميين لذا نبدأ بالكحك والقراقيش, والقراقيش هي عبارة عن مخبوزات محمصة مخلوطة بالكركم والحلبة ويتم تناولها بعد غمسها في الشاي واللبن, بالإضافة إلي الشعرية باللبن التي تعد الطبق الرئيسي في أي بيت نوبي في العيد الصغير عيد الفطر. ومن الشعرية باللبن إلي الجاري هو نوع من مربي البلح التي يخلطها أهل النوبة بالترمس والحلبة والسمسم والقشرنقيق وتعد من الأكلات الشهيرة التي تمنح الجسد قوة هائلة بعد صيام شهر رمضان, وعنها يقول مدحت الأمبركابي: إن الجاري تبدأ السيدات والنساء في تجهيزه داخل البيوت عندما ينتصف شهر رمضان, كما يتم استخدام ما تبقي من الأبريه المشروب الرمضاني الشهير في إعداد خلطة نوبية بالسمن والحلبة أو بالمرقة وإضافة إلي ذلك تتفنن سيدات النوبة في صنع المديدة وعصير البلح المعروف نوبيا بالالشوربون, وعن علاقة النهر بالنوبيين يوضح الأمبركابي قائلا: ما بين نهر النيل والنوبة علاقة حب لم ولن تتقطع, فالنيل هو منبع التبرك للجميع في المناسبات المختلفة كالميلاد وسبوع الطفل والأفراح والأعياد, بل ولايزال هناك من يذهب إلي النيل حتي الآن ليغسل وجهه بقليل من الماء صباح يوم العيد اعتقادا منه بأن الله سيمد في عمره حتي العيد المقبل, أما لو تصادف سبوع لطفل ما في العيد, فالكل يتجمع ويذهب لحضور احتفالية المولود, حيث يتم وضعه في مركب شراعي صغير جدا مصنوع من الخوص ويتركه أهل الطفل يبحر, وبقدر ما يبحر يتوقعون عمره طويلا كان أم قصيرا, أما لو تعرض الشراع لمكروه فإنه يعد فألا سيئا. وفي مركز نصر النوبة حيث عادات النوبة القديمة في بلاد الذهب لا يختلف الحال كثيرا في احتفالات العيد, وكما يقول القيادي المهندس خليل الجبالي: إن العيد في النوبة هو الفرحة والتزاور والحرص علي صلات الرحم, العيد في النوبة يحرص علي قضائه هنا المئات من المقيمين بالخارج أو في محافظات أخري وإن كان الوضع يختلف تماما عن عيد الأضحي المبارك الذي يستقل فيه نوبيو القاهرة والإسكندرية3 قطارات تحمل اسم رحلة قطار العيد وتتولي تنظيمها الجمعيات والشباب النوبي, وعن أهم ما يحرص عليه أبناء النوبة في العيد الصغير هو مراسم الخطوبة وقراءة الفاتحة وعقد القران بين الشباب والفتيات, تمهيدا لتحديد موعد الزفاف في عيد الأضحي حتي يتمكن الأهل والأقارب المقيمون خارج المحافظة من حضور الأفراح.