هذه هي مصر التي تفعل قبل أن تقول.. مصر لا تردد الشعارات, مصر تفتح معابرها للأشقاء وتسير القوافل محملة بالسلع والأغذية والأدوية, ويجلجل صوتها في كل المحافل الدولية دفاعا عن الشعب الفلسطيني الشقيق وحمايته من العدوان الإسرائيلي, وتتمسك بحقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية. ماذا قدم العالم لفلسطين؟ ماذا تفعل الأممالمتحدة من أجل أن يندمل هذا الجرح الغائر؟ ماذا يفعل أصحاب الحناجر ومناضلو عواصم أوروبا والمتشدقون باسم القدس لنا ومن يرفعون الشعارات الزائفة؟ ماذا قدم كل هؤلاء من أجل رفع المعاناة عن الأمهات الثكالي والأطفال اليتامي المشردين أمام رصاص وعجرفة الاحتلال الإسرائيلي الغاشم؟ أسئلة كثيرة تقفز الواحد تلو الآخر, وأنا أتابع ثلاثة مشاهد لا يجب المرور عليها دون توقف وتحليل وتنبيه لأولئك الذين لا يعقلون ولا يريدون أن يفهموا من يدعم فلسطين حقا, ومن ينعي فلسطين ويندب ويولول ويتاجر بالقضية, دون أن يجني شرفاء هذه الأرض المقدسة من أصواتهم سوي صداع وتشويش لا يقلان عن أصوات رصاص وقذائف الاحتلال الإسرائيلي الغاشم وغطرسته. المشهد الأول: ليس جديدا ولا غريبا, وإنما هو فصل آخر ونسخة أكثر دموية من بطش دولة الاحتلال التي تستبيح الأرض وتقتل الشعب وتنتهك القانون الدولي وتضرب مصداقيته في مقتل.. هذا المشهد فجرته قصة نقل السفارة الأمريكية, تلك القصة التي حولت أمريكا من موقف المحايد إلي موقف صانع الأزمة, ومن الوساطة التي طالما أوهم بها ساكن البيت الأبيض العالم علي مدار عدة عقود, إلي إسقاط ذلك القناع وإعلان الانحياز التام إلي كيان مازال يسيطر علي دوائر صنع القرار في الدولة الأكبر في العالم. تستمر قوافل الشهداء الفلسطينيين لتدفع القضية إلي آفاق أرحب, وقد كتبت هنا في هذه المساحة من قبل أن التعقيدات التي يصنعها محركو اللعبة وداعمو إسرائيل والزخم الذي تكتسبه القضية من تلك التعقيدات, كفيل بأن يقدم حلا لقضية العرب الأولي.. حلا تفرضه المعطيات الجديدة للنظام العالمي من ناحية, والأوضاع علي الأرض المحتلة من ناحية أخري. المشهد الثاني: مشهد ممل ومتكرر, نحفظه عن ظهر قلب, حتي صار أشبه ب الدائرة الصوتية, ترتكب إسرائيل جريمتها وتخرج لسانها للعالم, وتنطلق بيانات الإدانة شرقا وغربا, وتقف أمريكا أمام أي محاولة لتجريم العدوان الغاشم والمتكرر في مجلس الأمن.. ثم تستمر المأساة. المشهد الثالث: بينما تستعر إسرائيل نارا علي أبطال المقاومة, وتنتفض أمريكا دفاعا عن العدوان والظلم ولصوص الأرض والتاريخ, ويزايد المتاجرون بالقضية الفلسطينية علي من لا يطلقون الأصوات والشعارات من فنادق إسطنبول وموائد الدوحة ومنتجعات أوروبا, يبقي الدور المصري التاريخي الداعم للقضية الفلسطينية أبلغ رد علي كل هؤلاء, وتبقي مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي صوت العقل وقلب العروبة النابض حكمة وقوة وتضامنا. كان واضحا في ثوابت السياسة الخارجية المصرية التي أعلن عنها الرئيس السيسي بالأفعال وليس بالأقوال مع بدء توليه مهمة قيادة أكبر دولة عربية أن القضية الفلسطينية تأتي في صدارة الاهتمامات, وأن الثوابت المصرية في التعامل مع القضية تتلخص في الدعم اللامحدود لفلسطين أرضا وشعبا وثقافة وتاريخا.. احتضنت القاهرة جولات وجولات من مفاوضات المصالحة بين الفرقاء الفلسطينيين, ورعت مصر بداية عهد جديد من الحوار والتشاور بين الفصائل الفلسطينية بعد أن أنهكها الصراع لصالح الاحتلال الإسرائيلي.. احتضنت القاهرة الصلح بين الفصائل, واحتضنت غزة صورة الرئيس السيسي وهتفوا باسمه وبما حققه من أجل فلسطين والفلسطينيين. مع تصاعد العدوان الأخير لقوات الاحتلال علي قطاع غزة, وسقوط عشرات الشهداء والمصابين في موجة جديدة من الوحشية الإسرائيلية, جاء قرار الرئيس السيسي باستمرار فتح معبر رفح طوال شهر رمضان من أجل تخفيف الأعباء عن أبناء القطاع.. وفي الوقت الذي كان المعبر طوق نجاة للأشقاء الفلسطينيين, كانت مستشفيات القاهرة والعريش تفتح أبوابها للمصابين بكل ترحاب, وهو ما عبر عنه الجرحي الفلسطينيون الذين يتلقون العلاج في بلدهم مصر الشقيقة الكبري كما يحبون أن يطلقوا عليها. هذه هي مصر التي تفعل قبل أن تقول.. مصر لا تردد الشعارات, مصر تفتح معابرها للأشقاء وتسير القوافل محملة بالسلع والأغذية والأدوية, ويجلجل صوتها في كل المحافل الدولية دفاعا عن الشعب الفلسطيني الشقيق وحمايته من العدوان الإسرائيلي, وتتمسك بحقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية. مصر تعلم كيف تدعم فلسطين, لأنها الأولي والأجدر بهذا الدعم, مصر لا تطلق العنان للحناجر ولا تقاوم بالأصوات الرنانة.. مصر تدعو إلي السلام ورئيسها يعلي صوت الحق.. والحق أحق أن يتبع.