انتقده البعض لأنه حدد الملكية, واتهمه البعض الآخر بانه مسئول عن انهيار التعليم بسبب المجانية, وبأنه مسئول عن المشكلات الاقتصادية بسبب التأميم. ولكن ما لا يستطيع أحد أن ينتقده أو يتهمه به هو رغبته في انتشال هذا البلد من عصور طويلة من الاستعمار والنهب المنهجي لثرواته والفقر والمرض والطبقية وتزايد الفجوة بين الطبقات. نجح جمال عبد الناصر في أن يحول مصر من دولة خاضعة الي دولة منتجة زراعيا وصناعيا, وذلك لا يستطيع أحد إنكاره. ونجح عبد الناصر في أن يرفع الطبقات الدنيا لتشعر بآدميتها وتجد لنفسها مكانا في التعليم والعلاج والعمل; واستطاع أن يضع مصر في مصاف الدول المؤثرة علي خريطة العالم. لا يستطيع أحد أن ينكر قدرة مصر في تلك الفترة علي تغيير خرائط كثيرة في العالم مثل تأييدها للثورات في كل العالم الثالث ودورها الأكيد في إشعال حركات التحرير في كل دول أفريقيا والدول العربية مثل الجزائر; ومشاركتها في تأسيس حركة عدم الانحياز مع دول كبري مثل الهند ويوجوسلافيا وانضم اليها26 دولة أخري, بهدف تكوين كتلة ثالثة تواجه الكتلتين العظميين الاخريين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة, ويكون للعالم الثالث صورة وصوت يحسب له ألف حساب. ولا يستطيع أحد أن ينكر مكانة مصر في كل الدول العربية, الغنية منها والفقيرة; ودورها في إرسال المدرسين والأطباء والمهندسين الي العالم العربي ليعلموا ويعالجوا ويشيدوا, ويبقي المصري في تلك الدول محافظا علي مهابته وكرامته لأن دولته كانت تحافظ عليها في مواجهة تعسف البعض. ولا يستطيع أحد إنكار الجهد الذي بذل لبناء المصانع وتوسيع الرقعة الزراعية لتتمتع مصر بالاكتفاء الذاتي, حتي وان لم تكن تستطيع الحصول علي الرفاهيات. ولكنها استطاعت, بالرغم من تعرضها للحروب كل عشر سنوات, من أن تعمل وتنتج وتبني. وعلي المستوي الفني, فلا ينكر احد دور الدكتور ثروت عكاشة في وضع الأسس للحياة الثقافية المصرية. فإن كان هناك في السابق أفراد أثروا الحياة الثقافية في مصر, ففي عصر ثروت عكاشة تم تأسيسها من خلال المعاهد الفنية الكثيرة وافتتاح العديد من المسارح مثل مسرح الجيب وغيره التي شهدت طفرة هائلة في فن المسرح, وفي الإنتاج السينمائي. إن كانت قوة الدول تقاس بقوة أضعف طبقاتها, فإن مصر في عصر عبد الناصر تمكنت من دعم أضعف طبقاتها الاجتماعية لترفعهم علميا وصحيا; ومن خلال تلك الطبقات البسيطة تمكنت الدولة من التماسك في أوقات الأزمات والشدة. لقد وقف الشعب كله وراء زعيمه ورئيسه في أحلك اللحظات وسانده لكي يعيد لمصر مكانتها, لأن هذا الزعيم وقف بجانب شعبه وطبقاته الدنيا ليرفعها ويعيد لها كرامتها.