تخبرنا تجارب الحياة أن لا شيء يدوم فكل شيء حولنا يتبدل حتي شخصياتنا وسلوكياتنا تتغير بفعل الوقت والنضوج والتعلم والمواقف والحوادث الفجائية, ومع الوقت سلمنا بأن الأشياء التي تبدو لنا واضحة أو ثابتة هي في الحقيقة ليست كما تبدو. فالأمر نسبي أو متغير حسب الزمان فإحساسك بالوقت بطئ أو سريع أو حتي ممل يتوقف علي حالتك المزاجية والاجتماعية وعلي طبيعة الشخص ومدي انشغاله وأهدافه ويختلف من شخص لآخر ومن بلد للثاني. ورغم ثورة المعلومات وتطور وسائل الاتصالات لم ندرك أهمية المرونة والفكر المتعدد ولم نستطع استثمار هذا الضخ الفكري لتطوير ثقافتنا بل مازلنا نعاني من انتشار أحادية الرؤية والنظرة الاستعلائية التي ترفض تصحيح المسار وتعتمد علي الرؤية الإقصائية لأي نقاش يكون عكس التيار الذي يسير علي نهجه أصحاب تلك الرؤية. فمازال هناك من يتمسك بالقديم ولايري سوي الماضي وأحكامه, هؤلاء الأشخاص فكرهم منغلق ومتصلب لا يتحمل الآراء المتباينة ولا الحوار المتطور الذي ينتج عنه ميلاد أفكار مبتكرة وحلول مبدعة. ودائما يتناولون المشكلات من منظور واحد وفكر ضيق في حدود ثقافتهم المنغلقة. مثال: انتشار ظاهرة الغش بين الطلاب لدرجة الإدمان وحين يتصدي المجتمع لهم لا تجد إلا إجابة واحدة المنظومة فاشلة, مفيش تعليم نعم, إننا جميعا لا ننكر إصابة مجتمعنا المصري بسرطان الفساد لكن علينا ألا ننسي أننا جزء من هذه المنظومة, وإن كان هناك خلل في بعض أمورنا فعلينا القضاء عليه تدريجيا وألا نترك الغش ينمو والكذب يتفشي في الجيل الجديد بسبب الفكر العقيم والضيق المكتفي بثقافة هي جات عليا, ما كله بايظ. فخيار الانكفاء علي الفكر التقليدي لم يعد مثمرا لأن أحادية الرؤية نتج عنها شعب مأزوم عاجز عن التفكير ومحاكاة الحاضر, شعب غير قادر علي توظيف المعلومات بشكل مرن لمجابهة مشكلات الحياة, شعب( عايز) يتغير وبيقاوم أي جديد, شعب( عايز) تعليم متطور ولا يستوعب الا التلقين, شعب شبابه يعتبر الغش حلالا وحقا, وكباره يرون أن اتاحة الفرصة للغش ثواب وواجب إنساني مبررين ذلك الفكر الضيق المريض ب حرام غلابة, حيعملوا إيه بالشهادة. رغم قول رسول الله من غشنا فليس منا. المصيبة ليست عند هذا الحد بل في التناقض فهؤلاء هم ذاتهم من ينادون الحكومة بالعدالة وتطبيق القوانين, والسؤال: أليست الحكومة مجموعة أفراد من الشعب غش وغشش في يوم ما فنمي داخلهم الفكر الملتوي وحب الذات والتسلق دون اعتبار للمصلحة العامة؟ هذه الرؤية الأحادية نمت وازدهرت خلال سنوات الفساد الماضية بسبب سوء التنشئة والتعليم التقليدي وغياب الأمان وانتشار الظلم وسيطرة السلطة والمال علي العدالة, ولا أمل في مستقبل إذا استمر الغش أسلوب حياة يتم تعليمه لأبناء الشعب منذ نعومة أظافرهم. فالمراقب للواقع يشهد ويدرك أن مشكلتنا سببها ضيق الأفق والتصلب الفكري والانغلاق علي الذات واستسهال الغلط والمعرفة المحدودة. والنتيجة انشطار فكري ونفسي وانفلات أخلاقي وعدم احترام الآخر أوقبوله والتعصب للفكر الخاطيء ورفض التغيير ومقاومته. نهاية القول, أحادية الرؤية آفة تهدد مجتمعنا وتعبر عن مجموعة من الأساليب الفكرية السلبية التي يغلب عليها النمط العدواني غير السوي والرؤية التشاؤمية التي ترفض التنوع والاعتدال باعتبار انهما يمثلان الاتجاه والفكر السليم وعلينا تكثيف الجهود والأموال لاستحداث أساليب مبتكرة للحد من ظاهرة إدمان الغش والكذب, فجميع المجتمعات تخاف منا لسوء سلوكنا ومحدودية تفكيرنا.