عن الذين امتطوا صهوة أحلامهم هربا من الجحيم في بلادهم فابتلعهم البحر الموحش.. تكتب سوزان كاشف السودانية الجنسية والمقيمة في لندن بعد نجاتها من موت محقق كاشفة عن بؤس هؤلاء المهاجرين وهجرتهم غير الشرعية في رحلة من ينجو منها أشبه بمن ينجو وهو بين فكي وحش وقد فرق أوصاله.. التفاصيل الدقيقة في تلك الرحلة الانتحارية بداية من الاتفاق مع تجار الموت حتي الوصول إلي فرنسا لمن كتبت له النجاة بعد الموت. علي لسان أحد الناجين تحكي الكاتبة بدقة من كانت معهم لحظة بلحظة عبر الهروب المذعور من بلد لآخر أصبح إطلاق النار في هذه المنطقة- ليبيا- أمرا عاديا.. هناك مجموعة من الملثمين تغير علينا بين فترة وأخري ينهبون ما لدينا ومن يقاومهم يكون مصيره الموت... أصبح المكان مثل الغابة.. شرد معظم الناس( من جنسيات مختلفة) وصاروا يعيشون في المعسكرات وحتي في داخل تلك المعسكرات يتعرضون إلي أبشع الانتهاكات دون حسيب أو رقيب.. لا حكومة ولا شرطة تحمينا منهم. وتحكي الضحية التي كتبت لها النجاة وبعد أن تعرضوا للجوع والعطش والقتل والاغتصاب وابتزاز أي نقود لديهم هذا غير ملاحقة الشرطة والبيات في العراء والخوف والذعر الملازمين طوال التنقل.. مطاردة دائمة من الخارج والداخل ولا خيار سوي الموت. وبينما نحن نجد في سيرنا إذ بعربة بيضاء تسير بسرعة ثم فجأة أبطأت قليلا( كان هذا في إيطاليا) ثم فتحت نوافذها وفي لحظة أسرع من لمح البرق كان وابل من الرصاص ينهمر علينا كالمطر.. كانت مفاجأة لي.. أفقت من الصدمة لأجد نفسي ممددة علي الأرض ويوناس فوقي..كانت أصوات مطلق النار تعلو مع كل طلقة شتيمة وصراخا حانقا.. توقف صوت الطلقات وتحركت العربة مسرعة. كانت منزوعة الأرقام.. نهضنا أنا ويوناس ركضنا حتي نتحقق من الحدث.. أول ما رأته أعيننا ياسر ممددا علي الأرض ينزف وفي قبضته ثمرة كمثري.. مريام علي وجهها بسمة ساطعة كقرص الشمس ممددة بجانب ياسر.. فقدنا في تلك المجزرة كذلك علي المصري ومحمد التونسي وجانو السنغالي الذي لم يكن له هم سوي مساعدة المهاجرين في ايجاد عمل لهم أو التخطيط معهم في كيفية الوصول إلي كاليه. من الواضح أن سوزان كاشف روائية متمكنة من السرد الروائي ومن لغتها السهلة المعبرة الواصلة بالمعني دون فذلكة أو لف ودوران فالموضوع نفسه لا يحتمل.. لغتها حية واضحة.. وقبل ذلك وبعده لديها إيمان عميق بالموضوع الذي تتناوله.. حق كل إنسان في الحرية والكرامة.. فهؤلاء المهاجرون ليسوا حالمين فقط وإنما هم في الأصل هاربون من أنظمة الحكم الديكتاتورية في بلادهم وبؤس الحياة هناك.. إنهم يهاجرون تحت شعار كلها موتة لا فرق, وقد تمكنت الكاتبة من توصيل الإحساس بهؤلاء البؤساء الذين لم يخطوا خطوة بداية من التفكير في الرحلة وحتي ركوب البحر معرضين للموت في كل لحظة وحتي وصولهم لإيطاليا استمرارا نحو فرنسا.. الحلم. ولدت سوزان كاشف في مدينة ود مدني بالسودان ومقيمة ببريطانيا منذ1991 وحاصلة علي بكالوريوس علوم سياسية وناشطة في مجال حقوق الإنسان وصدرت لها روايتان.