بلا شك, صدمت الأمة المصرية بالحادث الارهابي التكفي ري بقتل المصريين بدم بارد وهم في محراب التقوي يؤدون صلاة الجمعة.ولا اشك ان ذلك الفعل الآثم المشين الغادر كان يقصد به فاعلوه ومشغلوهم استمرار استهداف الدولة المصرية وجموع شعبها وكسر إرادة التحدي والبناء في شعب مصر. لكنهم أخطأوا الحسابات لأنهم لا يعرفون معدن هذا الشعب وتاريخه وبسالته واصالته. فالاصالة هي عنوان تاريخ مصر, فقد كانت مصر دائما وفي عهود يقظتها وبعثها تستوي في اقصر مدة من الزمن في أتم نمائها وكمالها حية متجددة قوية تبهر العالم وتذهل الخافقين, وهي في اكتمال حيويتها وتجددها وقوتها عجوز شاب قرناها, تصون القديم, وترعي الرميم, وتعطي التقاليد ما توجب, وهذا سر قوتها. ولشد ما تنبعث هذه الاصالة في احرج ساعات التاريخ حلكة وظلمة انبعثت في موقعة عين جالوت حين وقف المصريون امام التتار يصدونهم عن حصن الحضارة والعروبة, وينقذون بقايا العالم المتحضر من دمار اكيد نزل من قبل ببغداد, فصيرها خرائب وأطلالا. واذا اخترنا وقفة المصريين في عين جالوت ولم نختر وقفتهم امام الهكسوس في موقعة رفح ضد قوات انتيوكس الاغريقية, كما لم نختر وقفتهم في حطين امام قوات الصليبيين المتحالفة, فلأن نتائج موقعة عين جالوت كانت حدثا باهرا في تاريخ الانسانية حين انقذت الحضارة والتمدين من دمار محقق. وها هي مصر وربما هذا هو قدرها تعيد بمكافحتها الارهاب معركة عين جالوت حين نقف جيشا وشرطة وشعبا ضد الإرهاب الاسود تصد عن حصن الحضارة والعروبة, وتساهم في الحفاظ علي العالم المتحضر. ان المثقف الحق مطالب بأن يمضي في مسلكه الذي رسمه له قدره وقاده إليه طبعه, أن يعود إلي نظم تسابيحه وترانيمه وأناشيده, زهرة من عديد في شجرة هي, ولكنها تفوح بإرادة لحياة عنده, فهي لا تقل أثرا عن ظفر في مخلب أو ناب في فك أو سلاح في يد علي الجبهة, لأنها أيضا نطق إرادة الحياة في أمته. مع الإدراك أن لابد له من الالتزام بشروط ليطمئن ضميره, وهي ليست قيودا علي حريته بل معالم هداية علي طريقه الذي اختاره عن وعي بمحض إرادته. أن يتمتم في سره قبل أن يبدأ باسم الله والوطن, لا يكتب شيئا الا ترسم أمامه أمته, وخالط وجدانه وجدان الشعب, وقصد إلي خدمته وغرز الثقة في نفسه ومستقبله, حثه علي البصر والإدراك وحسن الذوق, تنبيهه إلي أمجاد الأمس وأخطار اليوم لتنطلق كل قواه الكامنة. ليكن كلامه نجوي صديق إلي صديق, لا درس لتلميذه لا تكبر بل خشوع, لا خيلاء بل تواضع. أن يقتصر علي الجوهر دون العرض, بلا أطناب في غير طائل, فلا وقت للثرثرة, بغيضة هي أيام الارهاب. أن يخلص لمسلكه الإخلاص كله, مكرسا له غاية جهده أن يهدف إلي القيم الرفي عة, فلا ردة عن السقطة الا بالسمو, لا معيار لمقدارها الا بمقداره, ما أبشع السلع الرخيصة التي تزحم سوق الفكر في زمن الارهاب.