السر الدفين في الحزن المصري علي شهداء مصر الابرار من الشرطة المصرية في حادثة الواحات, هو لأن الشعب رأي فيهم, كيف يكون المثل الفذ عن الشجاعة, علي حمل التبعة ومواجهة الخطر, علي اباء الضيم والمهانة, علي رفض الارهاب وطروحاته ومنطلقاته وممارساته, علي بذل الروح فداء للوطن, علي الربط بين واجب الوطن والاستشهاد, هو الذي رسم له طريقهم, واشار لهم الي غايته, هو الذي كشف لهم عن معدنهم وجسد لهم كرامتهم وفضائلهم, واصرارهم علي الصمود ورفض الاستسلام لحاملي الرايات السوداء, علي تقبل التحدي,علي أن تربة مصر زكية بدماء الشهداء, جيلا بعد جيل, ان كان هو ثمن عزتها فإنها لم تتوان قط عن دفعه. ماذا يظن بها هؤلاء الحمقي, انها مصباح مضاء منذ آلاف السنين, ينشر نوره, قد يعتم زجاجه في يوم أغبر ولكنه لا ينطفئ, انها جذور ضاربة الي فجر التاريخ, هم الشهداء الابرار هم ابناء مصر وشموعها ورموزها; مصر التي سبقت غيرها من الامم في مدرج الحضارة و الارتقاء, بل انها اكثر هذه الحضارات رشاقة و جمالا وسمتها البارزة التحدي والاستجابة الذي خلق مصر, وابدع حضارتها وساد تاريخها و هذا سر بقائها و خلودها, فكأن خاصية التحدي و الاستجابة في شعب مصر ترتبط بخاصية تكملها و تنميتها, وهي القدرة علي التغير و الاستمرار: ففي تحديها قدرة علي التغير, وفي استجابتها قدرة علي الاستمرار فالتحدي هو القدرة علي مواجهة حال طارئة شاذة مثل الارهاب و الاستجابة هي التكيف حيالها بما يتفق مع خير الجماعة. ومصر ستنتصر علي الارهاب الاسود ومن يدفعه ويموله ويمده بالسلاح. لا يعرف هؤلاء الحمقي ان مصر دائما وفي عهود يقظتها و بعثها تستوي في اقصر مدة من الزمن في اتم نمائها وكمالها حية متجددة قوية تبهر العالم و تذهل الخافقين. ان الرواسب الكمينة في اعماقها من جلال الماضي وحكمته تتفاعل في عقلها الباطن لتقود خطاها وترشدها وتحددها الي الكمال, فلا تلقي في طريقها لغوبا ولا نصبا, فهي دائما علي الهدي من طريقها لا تجور ولا تمين ولا تضل بها الخطي, فتحقق في اقصر وقت من الزمن ما يستوعب الحقب من عمر الشعوب المحدثة التي لا تملك من ذخيرة الماضي وحكمته و تجاربه ما رسب في اعماق النفس المصرية علي مر الحقب و الدهور. ولشد ما تنبعث هذه الاصالة في احرج ساعات التاريخ حلكة و ظلمة: انبعثت في موقعة عين جالوت حين وقف المصريون امام التتار يصدونهم عن حصن الحضارة و العروبة, و ينقذون بقايا العالم المتحضر من دمار اكيد نزل من قبل ببغداد, فصيرها خرائب و اطلالا. سننهي الارهاب ونستأصله ونمرغ انوفهم وانوف اسيادهم في الوحل; هكذا جري التاريخ في مصر: راد ارضها بقصته الخالدة قبل ان يرود بقاع العالم اجمع, فكان القدم اول معالم وجودها, وقاد خطاه في مجري اصيل لا يتحول عنه عبر آلاف السنين, وكلما شاخت الحضارة في واديها انبعثت من جديد كأوفي ما تكون قوة و نماء, فغدا البقاء والاستمرار سمة وجودها الخالد.