»أنا كل ماكان.. كل مايكون.. كل ما سيكون.. قناعي لم يكشفه بعد إنسان» تلك هي كلمات إيزيس تزف روح مصر الخالدة المتربعة فوق عرش الوجود.. تتماهي.. تتوحد مع الأديب الأعظم نجيب محفوظ.. الروح المصرية الأبدية بجيناتها المجوهرة منقوشة في أعماق نجيب محفوظ الذي بدا لي دوما أن عمره 7 آلاف عام من الحكمة.. المجد والنبوغ، 10سنوات مضت علي رحيله وكم أفتقده.. وكم تحتاجه مصر اليوم في أتون تلك المحنة العاتية التي أتقنت مصر سحقها عبر الزمن.. حاورته أكثر من 45 مرة منذ أن عملت بأخبار اليوم، وقرأت إبداعاته قبل أن يطالني الفهم والوعي، لم تمنعني طفولتي من الولوج إلي دنيا نجيب محفوظ هرمنا الرابع المنحوت من الكلمات السرمدية. كنت أقرأ بعيوني، بنهم أتطلع أن يبلغني الإدراك لألج سر وسحر مصر المحفوظية، العصية علي الفناء،.. تتقن مصر.. ومحفوظ عبقرية البقاء، وليس بغريب أن تكون المرحلة الأولي في أدب محفوظ فرعونية (كفاح طيبة)، (عبث الأقدار، ورادوبيس) فلقد دأبت والدته علي اصطحابه إلي المتحف المصري في حقبة الطفولة فكان الانصهار البديع، يقول محفوظ: » تستطيع أن تنسبني للعمال الذين بنوا الأّهرام وليس للمهندسين الذين جنوا الثمار فإن هذا كله قد يوضح لك السبب الذي جعلني استمر في الكتابة. العيون منكسة.. هل النسيان بالفعل آفة حارتنا؟ هل لا وقت للثقافة، للتنوير؟ هل غاب الشغف برائحة الورق، بالقراءة.. العيون منكسة.. عيوننا منكسة لا تتكالب إلا علي مايدور حول النصف الأسفل من الإنسان فبضاعة الإعلام بائرة، نافقة، تدور حول فن المطبخ في قلب أزمة اقتصادية طاحنة، حول الإنجاب في ظل الانفجار السكاني المروع، ومع احترامي فن الكورة أي من الأحشاء إلي الأقدام، أما ارتواء العقل، الوعي، الفكر، الارتقاء بالوجدان فلا مكان ولا وقت لكل ما يبني الإنسان المصري، النصف الأعلي، فلا توجد خطة أو رؤية تنشر الثقافة والتنوير، والأولويات، وتحولت الثفاقة إلي مجرد افتتاحات يومية للأمكنة!! هل هناك برنامج واحد يناقش كتابا، يحتفي بالقامات المهيبة وهي الثروة والكنز الذي لايفني، لا بل هو التهافت علي النميمة، الاستهلاك، السطحية، الخواء الفكري واللهاث وراء كل ماهو مادي يبث الطاقة السلبية أما الثقافة فهي تبث الطاقة الإيجابية وهذا غير مطلوب!! أما المنشود فهو إبادة اللغة العربية، إبادة العرب، اندثار وطمس التراث والهوية هي المؤامرة، وأنا من مريديها وعشاقها رغم استعلاء البعض علي وجودها ومن ينكرها ينكر أيضا التاريخ والجغرافيا والسياسة والمصالح.. العيون منكسة مثقلة بالأسي.. ودعنا 12 شهيدا بذلوا الدماء المقدسة كي نبقي وكي تحيا مصر، وشتان بين نوبل نجيب محفوظ الذي شرف الجائزة وبين نوبل البرادعي الذي يساوي في وسائل التلاسن الاجتماعي! بين الجندي المصري البطل وبين المجرم الإرهابي ليحظي بالرضاء السامي الغربي فيكتب كلمة (العنف المتبادل) ليصدر ذات الفكرة الشريرة، الرجيمة أن الإرهابي قد يكون معارضا أي إرهابياً معتدلاً! باستثناء نوبل السلام الخاصة بالزعيم المنتصر أنور السادات فكلها.. موجهة إلي البرادع. يقول محفوظ: »المصريون لطاف وأهل مودة يحبون الحياة ويعشقون مسراتها. وبخاصة المسرات الحسية. وفيهم شيء من طبيعة النمل، ذلك هو دأب الواحد منهم.. وحتي لو لم تكن همته عالية إلا أنها همة متصلة باستمرار تثمر في النهاية عملا ضخما، ومن صفات المصريين العجيبة أنهم تمرسوا بالاستبداد وهم من أقوي الناس علي كراهيته وعلي الصبر عليه، إنهم يحتملونه كما يحتمل الشخص مرضا مزمنا لايحبه ولكن يصبر عليه، يخيل لي أنهم من أكثر شعوب العالم إحساسا بالحاكم. وبسبب ذلك أن الحاكم كان له دائما وفي كل العصور أثر في كل تفاصيل حياتهم اليومية». ولقد ذكر أديبنا العظيم أن المصريين ربما يريدون تجربة حكم الإخوان ولهم وجود في عالمه الأدبي »الباقي من الزمن ساعة»، »المرايا»، »القاهرة الجديدة»، »الثلاثية»، بل قد شخصية سيد قطب في المرايا وعبر محفوظ عن انقباضه من تلك الشخصية المتعصبة، الكارهة لكل ماهو آخر المثقلة بالغموض الكئيب والمنفر، وعن شخصية مأمون رضوان الإخواني في (القاهرة) قال عنه أحد الطلبة: هو المهدي غير المنتظر وقديما أدخل عمرو بن العاص الإسلام في مصر بدهائه وغدا يخرجه منها مأمون رضوان بثقل دمه، ويقول محفوظ عن عبدالوهاب إسماعيل أو سيد قطب: (التعصب الديني هو ما قاده إلي الإخوان والإخوان بدورهم أضفوا عليه مزيدا من التعصب، ويبالغ عبد الوهاب في تطرفه إلي الدرجة التي يقف فيها علي يمين الإخوان ويهيئ بأفكاره لظهور جماعات دينية أكثر حدة وعنفا، وكان يتظاهر بالعصرية في أفكاره وملبسه وأخذه بالأساليب الأفرنجية في الطعام وارتياد دور السينما إلا أن تأثره بالدين وإيمانه بل وتعصبه لم تخف علي، ولو كان نجيب محفوظ بيننا اليوم لكانت السعادة غمرته لسياسة مصر الخارجية فلا لهلاك جندي من جنودنا علي أرض اليمن كفانا ماكان وقد سطر في »الباقي من الزمن» فيسخر من »نزهة» اليمن التي انقلبت إلي متاهة دموية متعطشة لدماء الأبطال وأموال الفقراء) أسمعت ما يقال عن أغنية أم كلثوم »أسيبك للزمن» يقال إن الأصل هو »أسيبك لليمن»!) ، أيرضي عاقل بذلك وعلي حدوده عدو كإسرائيل وعندما تلوح نذر حرب 67 يتساءل محمد من جديد وجيشنا محول في اليمن في (اللص والكلاب) يتساءل »كيف ينظر الأوغاد في المرآة كل ساعة؟».. ويقول سعيد مهران: »وضاع الزمان ولم أفز، والقضاء ورائي.. وهذا المسدس المتوثب في جيبي له شأن، لابد أن ينتصر علي الغدر والفساد.. ولأول مرة سيطارد اللص الكلاب».. سبائك الفضة السائلة.. النيل كلمة السر في دنيا محفوظ كنت في البداية أقابله في كازينو قصر النيل، في مقهي علي بابا، فندق شبرد علي النيل ثم منزله المطل أيضا علي النهر الذي شهد (الثرثرة، وابتلع أبطال (بداية ونهاية). في (ثرثرة فوق النيل): »زحف نحو الشرفة فرأي القمر من جديد متألقا في مركز القبة المرصعة.. ليس كعوامتنا شيء.. الحب لعبة قديمة بالية ولكنه رياضة في عوامتنا.. الفسق رذيلة في المجالس ولكنه حرية في عوامتنا والجنون مرض في أي مكان ولكنه فلسفة في عوامتنا، والشيء شيء حيثما كان ولكنه لا شيء في عوامتنا».. في (أمام العرش) يقول أحمس: »علمتني الحياة أنها صراع مستمر لا راحة فيه لإنسان ومن يتهاون في إعداد قوته يقدم ذاته فريسة سهلة لوحوش لا تعرف الرحمة».. »قلب أوزوريس عيناه في الخالدين وقال: »هاهي مصر منذ وحدها مينا وحتي استردت استقلالها علي يد السادات وقال الملك مينا الحرص علي وحدة الأرض والشعب.. فالنكسة لا تجيء إلا نتيجة لخلل يصيب هذه الوحدة» وقال خوفو: »علي مصر أن تؤمن بالعمل.. به شيدت الهرم وبه تواصل البناء».. وقال أمحتب أن تؤمن بالعلم فهو القوة وراء خلودها.. وقال أبنوم: أن تؤمن بالشعب والثورة لتطرد مسيرتها نحو الكمال.. وقال سعد زغلول: »وأن يكون الحكم فيها من الشعب من أجل الشعب».. وقال أنور السادات: »أن يكون هدفها الحضارة والسلام».. وجمال عبدالناصر: »أن تقوم العلاقات بين الناس علي أساس العدالة الاجتماعية المطلقة».. وهنا قالت إيزيس: »ليضرع كل منكم أن يهب أهل مصر الحكمة والقوة لتبقي علي الزمان منارة للهدي والجمال.. فبسط الجميع أكفهم واستغرقوا في الدعاء».