سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أحزان أهالي الروضة أم فقدت أبناءها الثلاثة.. وسيدة تبكي زوجها وجميع أشقائها.. وأخري تنعي عشرة من عائلتها
أبناء بئر العبد يسطرون ملحمة وطنية.. وتقديم الملابس والأغطية والمياه لأسر الشهداء والأدوية مجانا
ما إن تطأ قدماك إلي داخل قرية الروضة حتي يطرق أذنيك أصوات الأدعية والاحتساب عند الله واضحا, سواء من عواقل العائلات الكبيرة أو من الشباب والفتيان, أو النساء والأمهات والجدات الثكالي وحتي الأطفال.. الجميع رسمت نظراتهم حالة من الجمود والصدمة ومازالت علامات عدم التصديق واضحة تنطق بالاستنكار والحزن والغضب المكبوت والتسليم بالقدر.. الدعاء بالرحمة للشهداء يسبق الحديث ويقطعه ويختمه طوال الوقت.. حالة الإيمان والتسليم بقضاء الله تشرق في الوجوه الحزينة وباتت علامة واضحة تميز أبناء قرية الروضة. الأهرام المسائي داخل القرية التي يجلس الرجال فيها بالدواوين وأمام الدور, يتلقون العزاء وكلمات المواساة من الجميع.. أهالي الشهداء هنا يعزون بعضهم وبينما تجلس النساء بمنازلهن.. لايختلف حالهن عن الرجال في احتساب الشهداء عند الله والدعاء للمصابين.. وأيضا الدعاء علي التكفيريين, أن يكون جزاؤهم من جنس عملهم, نحن أمام أم فقدت أبناءها الثلاثة وسيدة فقدت زوجها وجميع أشقائها وأخري تنعي عشرة من عائلاتها.. كنا في بداية الخطبة عندما هاجم مسلحون المسجد من أبوابه الثلاثة ومن النوافذ.. وسقطت علي الأرض فكسرت قدمي.. بهذه الكلمات بدأ الشيخ عيد أبو شريف شيخ قرية الروضة حديثه.. واستكمل: قمت بعدها وأنا مصاب وشاهدت جثث القتلي والذهول يحيط بي.. ولا أصدق حتي هذه اللحظة ما حدث.. كانت الدماء في كل مكان.. وسكت يسترد أنفاسه.. وخرج صوته مليئا بالشجن والقوة وهو يقول: فقدت15 شخصا من أفراد عائلتي.. أشقائي وأبناء عمومتي.. أحضرنا سيارات القرية ونقلنا المصابين.. وأنا قدمي مكسورة.. وبعد المغرب تقريبا ذهبت للمستشفي وتم إجراء عملية جراحية في قدمي وتركيب شريحة.. واستكمل: قرية الروضة والتي اتشحت بالسواد أصبح معظم قاطنيها حاليا من النساء فقد استشهد عدد كبير جدا من الرجال في هذه المجزرة البشعة.. ورفع صوته وهو يقول: أهالي القرية تلقوا تهديدا من الجماعات الإرهابية ولكننا كنا نستبعد أن يقوموا بأي أفعال قتل أو دمار.. مثلما حدث وكنا ننظم للاحتفال بالمولد النبوي كعاداتنا حبا في رسول الله صلي الله وعليه وسلم فقط لا غير, ولا نتقرب إلي الله إلا بالله, ولكننا نحب الرسول وآل البيت, هذا كل ما في الأمر, وأضاف أنهم وصفونا بالكفرة.. لعنهم الله في سبهم وقتلهم.. وقال الشيخ أبو جرير: أهل القرية يبلغ عددهم1500 شخص من الرجال والأطفال لهم عاداتهم الخاصة حيث يجتمعون علي قراءة القران إما بالديوان العام أو بالمسجد الوحيد بالقرية الذي شهد المذبحة والذي شيده أهالي القرية بأنفسهم.. ومن عاداتنا أيضا أن نقيم الذبائح بصفة مستمرة ونوقف المسافر المسجد علي الطريق الدولي لتناوله الطعام كنوع من المحبة والألفة بين كافة أبناء المجتمع المصري لأن التحاب هو ما ننتهجه في طريقتنا.. وأضاف أن معظم أهالي القرية من المتعلمين والمثقفين وخريجي الكليات منهم الأطباء والمهندسين والمعلمين ودائما ما نبتعد عن المشاكل التي تزرع الحقد والبغضاء وليس لنا أي عداءات مع أحد.. وهدفنا واضح التحاب في الله فقط.. وأكد الشيخ: أن رجال القرية استشهدوا في بيت الله وأثناء صلاتهم.. وهم في مكان أفضل بإذن الله.. وتركنا الشيخ ليستقبل عائلات تصطف طوابير طويلة جاءت لتقديم واجب العزاء من الصعيد.. الملاك اقتربنا من بعض المساكن المتقاربة.. كان الصمت هو السمة الغالبة إلا بعض أصوات أزيز يشبه النحل يتداخل في حزن شديد دون بكاء أو عويل الجميع يمسك بالقرآن الكريم ويقرأون دون التحدث مع أحد, فيما يقوم شباب القرية وبعض القبائل التي حضرت للمشاركة في العزاء في التحدث عن الخسة التي فعلها الإرهابيون متوعدين بالثأر, أما النساء واللاتي فقدن عائلهن الوحيد فالجميع يمسك بالقرآن الكريم ولا يتحدثن مع أحد مكتفيات بالدعاء لذويهن وأحبائهن الذين فارقوهم... وبصعوبة بالغة تحدثنا مع إحدي السيدات بالقرية كانت عيناها اكتست بلون الدم وابتلت الطرحة بدموعها.. نطقت الأم عباراتها دفعة واحدة قالت الحاجة فوزية عبد القادر: أحسست بضيق في صدري وما هي إلا لحظات وكان صوت الرصاص في كل مكان فأدركت قبل أن أذهب إلي المسجد أن زوجي قد مات.. زوجي كان مؤذن المسجد ويطلقون عليه الملاك لحبه الشديد للجميع.. فقدته في لحظة وسيحرم الجميع من سماع صوته وهو يرفع الأذان بالقرية.. كان في هذا اليوم مبتسما علي غير عادته.. وقال لي قبل خروجه إنني أتمني الشهادة وأشعر برائحة الجنة فاندهشت لأنه أول مرة يتلفظ بمثل هذه الأمور. وسكتت مرة واحدة واستكملت قراءتها القرآن الكريم.. فقدت10 رجال شدت الانتباه سيدة أخري كان النساء ينادينها صابحة عيد وهن يدعين لها بالصبر.. ورفضت التحدث نهائيا, وظلت تشيح بيدها لتركها وشأنها وهي تتمتم وكانت لا تنطق إلا كلمة واحدة: فين رجالك يا دار ووضعت وجهها في كفيها, وقالت إحدي قريباتها من المعزيات: يا بني اعذرها فقدت ثلاثة من عائلتها.. فيما تجلس سيدة أخري كانت نظراتها وهي تقرأ القرآن تدل علي حالها.. وبعد محاولات لحثها علي الكلام قالت في هدوء وأنفاس متقطعة: اسمي كريمة عبد الفتاح طه.. فقدت زوجي وهو في ريعان شبابه ولدي ثلاثة من الأطفال وزوجي كان يستعد للاحتفال بالمولد النبوي ونجهز الذبائح بهذه المناسبة ولم نكن نعلم أن الإرهاب سيذبحه قبل ما يذبح خروفه.. وغطت وجهها بكفيها وصمتت تماما.. وقالت قريبتها إيمان محمد: نحن لنا الله ولن يضيعنا.. أنا أيضا فقدت زوجي الحاج محمد يوسف مبارك وهو يعمل مراقب صحي بالقرية وليس لنا من يعولنا ولكن أملنا في الله كبير.. أما السيدة صباح عبد الستار محمد والتي فقدت زوجها فيما يجلس نجلها الوحيد بالمستشفي في حاله خطرة كان صوتها يخرج متقطعا بعبارات: ما حدش يقول سليمان مات ولا عبد الله وأخذت تردد أسماء أقاربها بطريقة هستيرية.. و قالت: لا أستطيع التحدث.. وخاطبت الجميع قائلة: ادعوا لهم بالمغفرة.. فيما فقدت الحاجة فايزة محمد علي10 من أفراد أسرتها بالكامل وهي في حالة نفسية سيئة ولا تستطيع أن تستوعب ما حدث. آخر كلمة وفي مستشفي بئر العبد حيث يرقد المصابون كانت الأحزان هي السمة الغالبة علي المكان وتجددت عقب معرفة خبر استشهاد مدير عام إدارة التربية والتعليم شميط متأثرا بجراحة والذي فقد نجله الوحيد محمد شميط وهو طالب في نهائي كلية الهندسة أما باقي المصابين والذين تسمح حالتهم بالتحدث فقال أحدهم, رفض ذكر اسمه: إننا كعادتنا كنا نجتمع قبل الصلاة بساعة حتي نجهز للاحتفال بالمولد النبوي, وهي عادة أهل القرية كل عام من نحر الذبائح والاحتفال بهذه الليلة, وبعد أن قررنا البدء في الذبح عقب انتهاء الصلاة.. قتلونا الكفرة وأضاف: أصبت بثلاث طلقات في قدمي وأجريت لي عملية جراحية.. وقال: الإرهاب دخل علينا المسجد.. وكان الخطيب في بداية الخطبة.. ويقول ولد الهدي الحبيب.. والجميع يصلي علي النبي عليه الصلاة والسلام.. وهذه كانت آخر كلمة أتذكرها في هذا الموقف, وبدأ يسألنا عن نجله الذي كان بجواره وعن بعض أصدقائه وهو لا يعلم حتي اللحظة أن نجله فارق الحياة. شباب بئر العبد وفي مشهد جنائزي مهيب تم دفن شهداء مسجد الروضة بحفرتين كبيرتين حفرهما لودران بمقابر مزار غرب العريش ونادت مكبرات الصوت في مساجد بئر العبد علي الناس في مدافن قرية مزار القريبة من الروضة, إن الأهالي من أقارب الشهداء لا يستطيعون دفن الجثث الكثيرة وحدهم.. فانطلق شباب بئر العبد إلي قرية مزار لمساعدة الأهالي هناك.. وقال محمد علي البياضي من أبناء القرية: إن ما يقرب من200 شاب توجهوا في سيارات نصف نقل إلي قرية مزار لمساعدة أهالي الشهداء في دفن ذويهم, دون أن يتم تغسيلهم أو تكفينهم.. فيما قام أصحاب اللودرات الكبيرة بتجهيز حفرتين كبيرتين تتسع الواحدة لأكثر من100 شهيد.. وتم إنزال الجثامين الطاهرة في الحفرتين.. وبعد ذلك قام الأهالي بأنفسهم بردم الرمال وتغطية الحفرتين, بعد منع اللودر من عملية الردم حفاظا علي حرمة الأموات.. وقد انتهي أهالي المكان من دفن آخر جثة بعد صلاة العشاء, وكان الدفن قد بدأ بعد صلاة المغرب.. ملحمة وطنية وفي سياق متصل, قام السيد عبد الفتاح حرحور, محافظ شمال سيناء, بزيارة قرية الروضة وطلب من مدير عام التضامن الاجتماعي بالقرية توفير سبل الرعاية والعناية للأهالي وسرعة صرف مبالغ نقدية لأسر المصابين والشهداء. وقال المحافظ إن الإرهاب لن ينال من عزيمتنا وأننا سنقضي عليه.. وفي سياق العمل الاجتماعي التطوعي قام الآلاف من أبناء مدينة بئر العبد في ملحمة وطنية كبيرة بتقديم كل الملابس والأغطية والمياه لأسر الشهداء والمصابين فيما فتحت الصيدليات أبوابها لصرف العلاج بالمجان.