أنا امرأة كتبت علي صفحة أيامها الأقدار سيناريو من العذاب كان علي أن أتجرع مرارته كل يوم ولولا بصيص من أمل أستضيء به في ظلمة يأسي لغادرت هذه الدنيا بإرادتي فما لي فيها من شيء بعد أن حكم علي بالعيش فيها شريدة تائهة, مطمعا لذئاب الشوارع, يأكل مني الفقر أسباب الحياة ويذلني الجوع للضياع لا محالة. عندما تفتحت عيناي علي الدنيا وجدتني في بيت أشبه بكومة لحم تسعة أطفال نلتحف غطاء واحدا ونتقاسم لقيمات لا تقمن الأود ولكن حالة خاصة من التعايش تجمعنا بأمل التمرد علي شرنقة الفقر وذل الحاجة, نخرج للعمل رغم حداثة سننا وسواعدنا اللينة وبقوة التحدي نشق صخر الفقر بجنيهات هي الثروة لمن لم يعرفوا في حياتهم غير العدم. هي الحياة وأحكامها نحياها طولا وعرضا تبعا لقدرة أبينا العامل الأجري ولكن بقدر الضيق يتسع القلب منا لأمل قادم لا محالة يزيح عنا تلك الظلمة ويشرق بنا في يوم جديد وإرهاصات حياة تخلو من الألم ولقد عشت هذا الأمل واقعا ملموسا عندما شببت علي الطوق وزارني خراط البنات علي أعتاب الصبا ووهبني مسحة من جمال هيأت لي مكانا كبيرا في قلوب شباب قريتنا وكنت دونا عن أخواتي البنات مطمع العرسان لا ينقطعون عن باب والدي طلبا ليدي إلا واحد كنت أحبه إلي حد الجنون وأراه الأمل مجسدا فيه ينتشلني من لجة الفقر إلي دنيا جديدة قوامها تكاتفنا يدا واحدة, صحيح هو من أبناء الفقر مثلي ولكنه غني بقلبه وحبه لي, انتظرته يأتي خاطبا ولكن والدي رفضه وأبي إلا أن يزوجني بواحد من أثرياء القرية يغنيني ويكفيه مشقة تجهيزي كأي عروس يقوم عليها أهلها. وعشت صراعا لأجل من أحب انتهي بهروبي من البيت وزواجي به رغما عن أهلي.. عشنا في المدينة حيث لا يعرفنا أحد ولم نعدم وسيلة للعيش فقد عمل حبيبي بوابا لأحد العقارات وتهيأ لنا سكنا فيه وعملت أنا أيضا خادمة بالأجر.. لم تكن الحياة سهلة ميسورة ولكنا سعدنا بها ولذة الشقاء فيها نبني حلما عشنا به وهربنا من أجله إلا أن الأقدار كانت تخفي لنا مواجهة أخري كانت هي الأشد قسوة في حياتنا. اتهم زوجي في واقعة سرقة لم يكن له يد فيها وعبثا حاول أن يثبت براءته منها وفجأة وجدتني وحدي, زوجي في السجن والناس ينظرون لي نظرات اتهام وريبة ولولا أن أصحاب العمارة التي نعمل بها كانوا رفقاء بي لطردوني والتحفت العراء.. مرت بي الأيام قاسية ليلها بارد شديد السواد يكاد ألا يأتي عليها نهار.. وعام تلو الآخر والحال كما هو, أعمل قدر جهدي وأدخر من طعامي مالا أودعه لزوجي في خزينة السجن لا يصبرني علي حالي ويقويني عليه غير حبي له وانتظاري ليوم خروجه أراه كيوم العيد بعد صبر طويل. خمس سنوات هي عمر وحدتي بدون من أحب أشبه بعمر طويل أصابه العجز والوهن وأنياب المرض وبعد طول عناء وصبر انفرجت الدنيا وابتسمت من جديد, تناسيت كل شيء وولدت يوم خروجه, عادت لي الرغبة في الحياة إلي جواره ورقصت له فرحا ولكنه أبدا لم يكن هو وكأنه استبدل في السجن بشخص آخر فظ الطباع قاسي القلب لا يعرف للمشاعر قيمة ولم يحفظ لي وفاء ولا صبرا.. خرج من سجنه وكأنه لم يخرج.. يعيش معي ولكنه في عالم آخر.. يشتمني ويضربني ضربا مبرحا ويحملني مسئولية ضياع مستقبله حتي انتهي به الأمر أن يطلقني لعل حاله ينعدل وتفتح له الدنيا ذراعيها بعيدا عني. خرجت من حياته إلي مجهول يترصدني في الشارع, لا مكان يسترني آوي إليه حتي أهلي عندما عدت إليهم نادمة ألجأ إليهم لفظوني وتنكروا لي.. قالوا لي إنهم اعتبروني في عداد الأموات.. لست أدري ما أفعل.. أشعر أن حياتي كلها ضاعت وعيون الطامعين في الشارع تترصدني فليرحمني الله. ل. م. المنيا بالتأكيد يا ابنتي أنت في محنة حقيقية لكل ما مررت به من محن واختبارات قاسية ولكنها الحياة نعيشها بكل ما فيها من كبد وعناء ومشقة وإن لم تكن لنا فيا إرادة لما عمرناها وأنت يا ابنتي تمتلكين من الإرادة والجلد ما لا يملكه غيرك ألست من اتخذ قرارا وتحديت أهلك لتقرير مصيرك؟ ألست من واجه الصعاب والمحن مع زوج وحياة قوامها الشظف في الغربة؟.. ألست من صبر وانتظرت أملا قادما مع خروج حبيبك من السجن حتي ولو كان وفاؤك له مرا تجرعتيه نكرانا منه وغدرا؟ ربما أنت علي موعد مع اختيار أخير في الدنيا وهو كيف يمكن لك أن تعيشي فيها من أجل نفسك كما كنت عليه وزوجك في السجن تعملين وتتعايشين وتحمين نفسك وتدخرين من المال ما تودعيه أمانات لزوجك في السجن.. أليست نفس الإرادة يمكنها أن تصنع لك آليات قوية لحياة جديدة تنسين فيها الماضي بكل مرارته ولعل المستقبل يكون أفضل خاصة وأنت مازلت في ريعان الشباب ولعمري أحسبك من الصابرين المحتسبين الذين يستندون دائما في حياتهم علي توفيق المولي عز وجل ودعمه جزاء ما صبروا وصدق الله العظيم عندما قال في سورة الرعد الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق(20) والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب(21) والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبي الدار(22) جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب(23).