لم تكن سنية الفتاة ذات الملامح السمراء تنتمي لأسرة من الأثرياء بالقرية, ولم يكن لها حظ من التعليم, فقد ولدت في بيت يسكنه الفقر وكثرة العيال وأب عليل يعمل باليومية بعضا من الوقت وغالب وقته طريح الفراش يتجرع آلام الشيخوخة وأمراض مزمنة تلازمه بلا شفاء أو قدرة علي العلاج, ولولا خروج الأم للعمل هنا وهناك لما وجدت هذه الأسرة البائسة لقمة العيش المبللة بذل الحاجة والفاقة. رغم بؤس ما تعيشه سنية من حياة ليس للأحلام مكان فيها, كانت هي تنظر لنفسها بشكل مختلف, بداخلها إحساس لا يبرحها ليل نهار بالرفض لهذا الواقع ومرارته تتمرد عليه وعلي حالها ولكنها لا تملك من المقومات ما يساعدها علي الخروج من شرنقة الفقر إلي ذلك العالم البراح تنطلق فيه مثل عصفور غادر قفص محبسه لتوه....!! في نعومة أظفارها خرجت للعمل طفلة بعقل امرأة ناضجة تعرف ما تريد.. تحفر الصخر بأظفارها الناعمة شيئا فشيئا وتدخر مالها لنفسها.. تعيش علي الكفاف وتنتظر اليوم الذي تخرج فيه من البيت بلا عودة, ساعتها ستمتلك زمام أمرها وتنزع عن كاهلها ثيابها البالية وملامح الفقر من حياتها......!! كانت حياتها جافة قبل أن تعرفه لا يشغل بالها غير طموحها وإحساسها المتمرد.. كان دسوقي شابا تجاوز عقده الثالث ببضع سنوات وهي بعد قد تجاوزت العشرين من عمرها.. يشبهها في كل شيء, فهو أيضا ولد لأسرة فقيرة وعيال كثيرين.. متمرد مثلها علي كل شيء.. التقيا في مضمار صراعهما مع الدنيا تجمعهما فكرة تحقيق الذات.. جمع الحب بينهما منذ أن التقيا وكأنهما يعرفان بعضهما منذ زمن.. يخرجان للعمل سويا مع إشراقة الصباح ويهونان علي بعضهما شقاء اليوم بساعة يختلسانها في منتصف النهار يقتسمان فيها لقمة الغداء وينعزلان عن الحياة وكأن الدنيا قد خلت إلا منهما...!! صارحها بحبه ورغبته الزواج منها ولكنه لا يستطيع التقدم لها والزواج منها فقد ساقته أقداره للوقوع في براثن جريمة حيازة مخدرات وإحراز سلاح أقسم لها أنه لم يكن له يد فيها وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات عن قضية المخدرات وسنة لإحراز السلاح وقال لها إنه فوجيء في يوم من الأيام بمن يفتح له باب محبسه ويطلب منه الخروج والهرب من السجن فهرب مع من هربوا أثناء ثورة الخامس والعشرين من يناير.. أسقط في يد الفتاة التي كانت تحبه بجنون وتري فيه طوق النجاة والفارس الذي سوف ينتشلها من مستنقع الفقر الغارقة فيه.. أظلمت الدنيا في عينيها وانهارت كل الأحلام علي واقع كله أشواك يدميها ويقض مضجعها ساهدة تفكر في حبيبها وكيف الوصول إليه.. نسيت ما قاله لها وتجاهلت أنه هارب من العدالة.. قالت لنفسها إذا كانت الدنيا قد ضنت عليها بالراحة والاستقرار وبخلت عليها بالحب أيضا فهي لن تيأس ولن تستسلم وستقتنص حقها في الحياة رغما عن الدنيا وقساوتها....!! التقته وبثته حبها ولهفتها عليه.. طلبت منه أن ينسي ما وقع له في الماضي ويبدأ معها صفحة جديدة ولا يخبر أهلها بحكايته عندما يجيء لخطبتها.. اتفقا أن يجمع كل منهما مدخراته ويبنيا سويا عش الزوجية.. أيام قليلة مضت وقد تهيأ لهما كل شيء البيت الهاديء المفعم بالحب والحياة الجديدة التي طالما حلما بها.. صحيح أنهما لم يكن لديهما من ترف الدنيا ورفاهيتها شيء فالبيت تأسيسه بسيط وفق قدراتهما وحياتهما علي قدر ما يكسبان من رزق إلا أنهما كانا سعداء يتعاطيان الدنيا سكاري بمشاعر الحب يجمعهما في رضا وقناعة.....! ومن جذوة الخيال تشتعل في قلبيهما تجسدت مشاعر الحب جنينا يتحرك في أحشائها ليكون مقدمه نقطة تحول كبيرة في حياتهما.. اجتمعت كل أحلامهما في هذا الصغير القادم بالأمل يتراقص قلبهما فرحا به ولكن الأقدار كانت تخفي لهما والصغير مصيرا مجهولا فليس دائما تأتي الرياح بما تشتهي السفن.. انطفأت فرحة العمر فجأة وتجرع الحبيبان رحيق الألم والفراق بموت صغيرهما والأمل الذي كانا يعيشان من أجله.. تعقدت في أيديهما كل خيوط التحدي والإرادة وأحاطهما اليأس بسياج صلب من الخوف والرعب من الدنيا وما تخفيه لهما....!! تقول سنية طلبت من زوجي أن يسلم نفسه ويقضي الحكم الصادر ضده وأن يبدأ من جديد عقب خروجه من السجن لعله يكسب رضا الله ويعوضه خيرا عن فقيدهما الصغير, وبالفعل سلم دسوقي نفسه لقسم شرطة الصف ولكنهم في القسم حرروا محضرا وقتها علي أنهم قبضوا عليه وتم ترحيله لسجن الفيوم حيث قضي باقي العقوبة بالسجن3 سنوات في قضية المخدرات لكن كان هناك حكم آخر بحبسه سنة لحمل السلاح فتقدمت بتظلم للنائب العام برقم1177 فتم العفو عنه فيه, وأثناء ترحيله لقسم أطفيح بالجيزة لإنهاء اجراءات الافراج فوجيء زوجي أنه مطلوب في قضية شروع في قتل برفقة آخرين أثناء مشاجرة لم يشترك فيها, ولكن التحريات اثبتت وجوده في المكان ولم تثبت تورطه في القتل والشهود نفوا اشتراكه في الجريمة, ومع ذلك حكم عليه بالسجن3 سنوات وأعادوه لسجن الفيوم وقضي سنتين من الحكم وبقيت السنة الثالثة وكان من المفترض خروجه في2016716 بالعفو الشرطي ولم يحدث لأنهم اعتبروه هاربا في الثورة وأن الجريمة المتهم فيها بالقتل تزامنت مع توقيت هروبه في الثورة. لقد عشت أكثر من خمس سنوات أنتظر خروج زوجي وحبيبي من السجن.. عاديت أهلي الذين قاطعوني لما رفضت رغبتهم في أن يطلقوني منه ويزوجوني من رجل آخر, حتي أم زوجي وأبوه قاطعاني ورفضا مساعدتي في غياب زوجي, فتكفلت أنا بمعيشتي ولكن تراكمت علي الديون وقام صاحب البيت بطردي من الشقة لأني تأخرت شهورا في دفع الإيجار ولولا شفقة صديقة لي آوتني في بيتها لبقيت في الشارع فلا أهلي ولا أهله يريدونني عندهم. لم أندم يوما علي حبي لزوجي وسأنتظره عمري كله وألتحف الرصيف إن لم أجد لي مسكنا يأويني في انتظار اليوم الذي تشرق علي فيه الدنيا برؤيته. ليس لي أمل يا سيدي غير أن يصل صوتي للمستشار نبيل صادق النائب العام واللواء مجدي عبدالغفار وزير الداخلية والمستشار حسام عبدالرحيم وزير العدل لعل أحدهم يرأف بحال زوجي ويعمل علي الإفراج الشرطي عنه مثله مثل من يفرج عنهم بثلثي المدة لحسن سيرهم وسلوكهم. سنية كمال مركز الواسطي بني سويف شيء من الحب يسكن القلب يجعل الحياة سعيدة في أي بيت رغم قسوة الحياة وشظف العيش, وفي حكايتك نوع من وفاء نادر في هذا الزمن, فأنت أحببتي زوجك حبا عظيما وتعلقتي به للدرجة التي جعلتك تنسين أن له إرثا آثما من الجريمة, صحيح أنك تقولين أنه بريء من التهم الموجهة له وأنه ضحية مكائد دبرت له ورغم عدم قناعتي ببراءته وتحفظي كونه هرب أثناء الثورة مستغلا الأحداث التي جرت وقتها إلا أنني متعاطف معه باعتباره إنسانا أوقعه شيطانه في براثن الإثم والجريمة, ولكنه ثاب وآب إلي رشده وقضي ما عليه من عقوبة وبقي أن تتم معاملته من منظور إنساني, ولعل اللواء مجدي عبدالغفار يتسع صدره لحالة زوجك دسوقي أحمد توفيق جنيدي النزيل بسجن الفيوم ويأمر ببحث حالته والبت فيها بما يثلج صدرك إن شاء الله. ولكن علي الجانب الآخر في حكايتك تبرز حالة الوفاء النادرة التي تجسدينها برومانسية فطرية أري أنها السند الحقيقي لزوجك عندما يخرج في أن يبدأ بالفعل حياته من جديد ويسلك طريقا قويما من أجلك أنت يا من وهبته حبا عظيما, عليه أن يكون بقدره ويتحمل مسئوليتك بشرف وأمانة بعيدا عن طريق الشر وأهله وأن يعاهد الله علي التوبة والوفاء لكي يقدر وفاءك له, وصدق الله تعالي عندما قال في محكم آياته عن الوفاء ومن يخون العهد ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين. فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون. فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلي يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون. ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب التوبة75-78.