نحن كتيار إسلامي مجتهد نقبل بالدولة المدنية بحيث لا تكون دولة نافية للدين مصادمة له الديني والمدني... لعله العنوان الأبرز في الصراع الدائر اليوم بين التيار الليبرالي العلماني وبين التيارات الإسلامية, ومن الواضح أن القسمة التي تجعل الديني في مواجهة المدني هي قسمة ظالمة علي المستوي العلمي وعلي مستوي النموذج الذي يجب أن تقدمه مصر للمنطقة العربية وللعالم الإسلامي. يرغب من يطرح عنوان الدولة المدنية أن تكون تلك الدولة مستبعدة للمرجعية الإسلامية التي هي عنوان هوية مصر, كما يرغب في إلغاء المادة الثانية من الدستور والتي تقول إن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع, والتيارات الإسلامية تعتبر تلك المادة خطا أحمر لا يجوز العدوان عليه. وكان علمانيون كبار في مطلع القرن الماضي قد أكدوا في المؤتمر المصري عام1911 م أن التسامح مع الأقليات غير المسلمة لا يعني التنازل عن هوية ا لدولة المصرية وهي الهوية الإسلامية, كما أشار هؤلاء العلمانيون إلي أن تعدد الأديان في الدولة لا يعني أن نلغي الإشارة في الدستور إلي هوية الأغلبية, واعتبر هؤلاء أن رابطة المصرية الجامعة تعني الاعتراف وبلا تردد بهوية الأغلبية في الدستور, من هؤلاء العلمانيين الكبار أحمد لطفي السيد وعبد العزيز فهمي وغيرهما. من هنا تضمن دستور1923 الإشارة إلي أن دين الدولة الرسمي في مصر هو الإسلام وأن اللغة العربية هي لغتها. يمكن للمدني أن يكون دينيا, كما يمكن للديني أن يكون مدنيا, ومن هنا كان اجتهاد داخل التيار الإسلامي يقول بالدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية, ونحن ممن يقول بهذا الاجتهاد, فليس صحيحا ما يثار من أن الدولة المدنية بالضرورة نافية للدين كما هو الحال في تيار غربي علمي يري أن المدنية بالضرورة معارضة للدين, بيد أن هناك تيارا آخر داخل المدرسة الغربية يقول إن المدني له جذور مدنية وأشير هنا إلي مفكرين كبار مثل ماكس فيبر وألكسيس دي توكفيل والذي قال بوضوح: إن الديموقراطية والحريات الأمريكية مستمدة من الدين. كما أن ماكس فيبر كعالم اجتماع ديني اشار إلي أهمية الدين وعلاقته التي لا تنفصم بين الرأسمالية والقيم البروتستانية, فهناك علاقة قوية بين القيم الدينية وبين قيم الإنجاز والعمل والادخار وغيرها. وفي تركيا العلمانية علي سبيل ا لمثال وجد العلمانيون هناك أن بث قيم المواطنة والانتماء والولاء في مواجهة التيارات العدمية والإلحادية لا يمكن إلا بالعودة إلي الدين الإسلامي ومن هنا كان طرح مفهوم الإسلام التركي مع تحفظنا علي المصطلح. نحن كتيار إسلامي مجتهد نقبل بالدولة المدنية بحيث لا تكون دولة نافية للدين مصادمة له, وأن تكون دولة تحترم هوية الأغلبية في مصر وتحترم المادة الثانية من الدستور المصري, وكما يشير أستاذنا الكبير حامد ربيع فإن العلمانية الاستئصالية كما طرحتها الثورة الفرنسية بمعني الفصل بين الدين والدولة لم تستمر, بل عاد الدين مرة أخري ليوجه الدولة ويكون له تأثيره الكبير في قراراتها, وعلينا فقط أن نتذكر ما قاله جيسكار ديستان بأن الاتحاد الأوروبي هو ناد مسيحي, كما علينا تذكر ما أشارت إليه المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل من أن الدولة الألمانية تعبر عن القيم المسيحية وأن علي المسلمين هناك أن يندمجوا في تلك الدولة لا أن يستقلوا بالشريعة الإسلامية. وكما هو معلوم فإن مئات الدراسات تحدثت عن عودة الدين ليكون مؤثرا في القرار السياسي في أمريكا علي سبيل المثال منذ عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريجان. وبلغ أقصي مدي له مع الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي كان يستلهم الافكار التوراتية في سياساته تجاه العالم الإسلامي, وكان ينتمي للتيار الأصولي الإنجيلي في أمريكا. في حوار مع أحد الليبراليين علي قناة تليفزيونية قال إنه يطرح الدولة المدنية باعتبارها مستلهمة للقيم الغربية الإنسانية وأنه يرفض أن تكون الشريعة ا لإسلامية هي المرجعية لتلك الدولة, هنا أحد الاضطرابات الكبري للفكر الليبرالي والعلماني في مصر, فهو يريد أن يطرح علينا دولة تستلهم مرجعيتها من الغرب, وهو تعبير عن التبعية الفكرية للمركز الغربي الذي يري العالم من خلال منظوره الاستعلائي, أي أن هذه الفكرة تعبر عن الاستحمار الثقافي الذي يسلم للغرب أن يكون هو مرجعيتنا. ونحن نقول إن هناك عالمية وخصوصية, فإذا كانت هناك أفكار عالمية أو عولمية فنحن نتماس معها ونأخذها ولكن علي شرط ألا تلغي خصوصيتنا الثقافية, والخصوصية التي نستلهمها كمرجعية للدولة المدنية هي الحضارة العربية الإسلامية التي عبرت في سيرتها ومسيرتها عن الشريعة الإسلامية. نحن نرفض الدولة الدينية بالمعني الغربي الكاثوليكي التي تعني حكم رجال الدين واحتكار تفسيره من هؤلاء الرجال, وحكم هؤلاء الرجال باسم الله, ومن ثم لا يملك أحد أن يعارض أو يفكر أو يجتهد. الدولة الدينية بهذا المعني لم يعرفها العالم الإسلامي, فكل يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم وهو النبي صلي الله عليه وسلم. . فطبيعة النظام السياسي الإسلامي الأساسية أنه نظام مقيد بالنص الأعلي والدستور الحكيم وهو الكتاب والسنة, وهو ما نطلق عليه السلطة المؤسسة بكسر السين, أي التي يتأسس النظام السياسي دون مصادمة لها, والسلطة المؤسسة بفتح السين وهي التي تنطلق من الاجتهاد المؤسس علي الخبرة والعقل. نحن نقبل الدولة المدنية بمرجعية إسلامية ونرفض تلك الدولة من منظور استبعاد الدين فذلك استزلام معرفي وسياسي للغرب لن نقبله بعد ثورة25 يناير.