يقول الدكتور عبد الله محيي عزب أستاذ العقيدة والفلسفة ووكيل كلية أصول الدين بجامعة الأزهر إن الداعية هو إنسان أوقف نفسه لنشر فكرة معينة, وهذه الفكرة تحتاج إلي معرفته بعقل الإنسان الذي يدعوه وحاجاته, ويحتاج كذلك إلي معرفة الجانب النفسي والثقافي والاجتماعي لمن يدعوه, وذلك لأن الداعية في مجمل عمله يقوم بعملية اجتماعية هدفه منها هداية الانسان وإخراجه من الضلال إلي النور والهدي, وتثبيت عقيدته وسلوكه علي الحق وفق تعاليم الإسلام الحنيف, والداعية بذلك يقوم بمهمة عظيمة ودقيقة. ومما يلفت النظر أنه يوجد فرق كبير بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين الداعية إلي الله, فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشمل عامة المسلمين العالم والرجل العادي بأن يحث الناس علي الصلاة أو الصيام أو التحلي بالصدق والأمانة مما هو معروف لعامة الناس, وأن ينهي عن المنكر فإذا رأي رجلا يسرق أو يزني أو يشرب الخمر الخ ينهاه عن المنكر, وهذا واجب علي كل الأمة لقوله تعالي, كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر] وقول النبي صلي الله عليه وسلم من رأي منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. أما الدعوة إلي الله فهي خاصة بأهل العلم, المتخصصين في علوم الدين قال تعالي, وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون] وليست الدعوة إذن كلا مباحا لكل الناس يمتهنها العالم والجاهل, وإلا وقع الفهم الخاطئ لنصوص الوحي الإلهي, بل الدعوة إلي الله لها شروط وضوابط بينها لنا العلماء, وهذه الشروط التي يجب أن تتوافر في الداعية هي: أن يكون علي بصيرة مما يدعو به ومما يدعو إليه, وبمن يدعوهم, فهذه البصيرة شرط في نجاح دعوته, مصداقا لقوله تعالي:, قل هذه سبيلي أدعو إلي الله علي بصيرة], فلابد أن يكون عنده علم بالقرآن الكريم والسنة المطهرة, وأن يكون عالما بمسائل الإجماع وأن يكون عالما بلسان العرب, لكي يتمكن من معرفة معاني اللغة وخواص تراكيبها وأن يكون عالما بأصول الفقه, ومنه: القياس, لأن أصول الفقه هو الأساس الذي يبني عليه استنباط الأحكام وأن يكون عالما بالناسخ والمنسوخ إلخ. فإذا كان الداعية عنده علم بكل ما ذكر فإنه يدعو إلي الله ويعلم الناس دينهم ويرشدهم إلي توحيد الله وعبادته ويعلمهم ما أوجب الله عليهم ويحذرهم ما حرم الله عليهم ويرغب ويرهب كما شرع الله. كما يجب أن يعرف الداعية حقائق الدين الثابت والمتغير منها, وما يتأتي فيه الاجتهاد ومالا يتأتي, وكيفية معالجة السلبيات التي يراها في المجتمع لعلاجها والرد عليها, وعدم معرفته بهذه الأمور يعد خطرا عظيما, ولكي يعرف هذا يحتاج إلي مؤسسة علمية وسطية معتدلة مثل الأزهر الشريف لكي يتربي فيها علي يد العلماء الذين يفهمون الدين فهما وسطيا بعيدا عن الإفراط والتفريط, أما الذين يتصدون للدعوة وهم ليسوا أهلا لها فهذا ما يؤدي إلي فهم الدين فهما خاطئا وترتب علي هذا الفهم المفاسد الكثيرة. كذلك يجب أن يكون الداعية قدوة أمام المدعوين حتي تؤثر دعوته فيهم فلا يمكن أن يدعو إلي شيء, ويخالف ما يدعو إليه, ولذلك قال نبي الله شعيب عليه السلام, وهو خطيب الأنبياء:, وما أريد أن أخالفكم إلي ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب], وقال تعالي( كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون). ومن شروط الداعية الإخلاص في دعوته إلي الله, بألا يريد في دعوته جاها, ولا مراءاة, ولا مدح الناس له, ولا لأجل حظوظ الدنيا, وإنما يقصد وجه الله والدار الآخرة فإن هذا شرط أساسي في الداعي إلي الله. ويري العزب أن مناهج الدعوة وطرقها باختصار مجموعة في قوله تعالي, ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن] وهي ثلاثة: المنهج الأول الدعوة إلي الله بالحكمة, والحكمة هي البرهان والحجة والدعوة بهما إلي الله مأمور بها, والحكمة هي وضع الشيء في موضعه, وضع الشدة في موضعها, واللين في موضعه, والعلم في موضعه, والمال في موضعه. المنهج الثاني من مناهج الدعوة هو قوله, الموعظة الحسنة], وهذا الطريق لابد منه, لأنه يرقق القلوب ويرغب النفوس ومن لم يكن يعرف ما يعظ به الناس علي الوجه الحسن, أو كانت موعظته غير حسنة لا ينجح في دعوته,. وذلك لما للموعظة الحسنة من تأثير بالغ في النفوس والدعوة إلي الله بالموعظة الحسنة تكون بأسلوبي الترغيب والترهيب. المنهج الثالث المجادلة بالتي هي أحسن( وجادلهم بالتي هي أحسن), فإ نالإقناع لا يكفي فيه إقناع العاطفة فقط, بل لابد فيه كذلك من القناعة العقلية, والقناعة العقلية لا تكون إلا بالعلم بإقناع الناس بواسطة الأدلة والحوار فالجدال هو أحد الطرق المستخدمة في الدعوة إلي الله لإقناع المدعو وإزالة الشبهة وإقامة الحجج والبراهين علي صحة الدعوة وبطلان ما سواها وهو لا يكون إلا عند الحاجة كوجود المعارض بالشبهة والصاد بالباطل عن سبيل الله بخلاف الحكمة والموعظة الحسنة فمشروعيتها قائمة دائمة. هذا هو المنهج القرآني في طرق الدعوة وقائم علي الفهم الرصين الوسطي المعتدل الخالي من التشدد والتفريط, أما اللجوء إلي التشدد في أسلوب الداعية فهو يأتي بنتائج سلبية تنفر المدعوين من الدين.