بعد إجراء التعداد السكاني الأخير وما أظهره من ارقام غريبة تستدعي سرعه الفحص للتأكد من حقيقتها, والأهم الوقوف علي اسبابها للتعامل معها وفقما يقتضي الموقف والإمكانات, ومنها مثلا ما اعلنه الرئيس السيسي من أن هناك12 مليون وحدة سكنية مغلقة في ذات الوقت الذي تسكن فيه اسر كثيرة بغرفه واحده ودورات مياه مشتركة, والحق انه رقم يدعو للتساؤل والدهشة إذا لم نفهم اسبابه, فهناك وحدات سكنية يستخدمها أصحابها للتصييف فترة فصل الصيف فقط أو وحدات تحت التشطيب وتأخر اصحابها في الانتهاء من تشطيبها لأسباب خاصة بهم, وقد أظهر التعداد الأخير أن10.1% من الوحدات السكنية الموجودة هي وحدات خالية ودون تشطيب,أو أن تكون وحدات غير صالحه للسكني حيث تحتاج ترميما أساسيا, أو أن يكون ساكنوها في إعارة للعمل أو الدراسة بالخارج ثم العوده لمصر بعدها. والأكثرية منها قد يكون غير مستغلة حاليا رغبة من مالكها في توفير شقة من أجل زواج احد الأبناء في وقت تندر فيه الشقق الخالية أو يرتفع ثمن شرائها يوما عن يوم, أو رغبه من المالك في تسقيع ممتلكاته للحصول علي أفضل سعر بيع لها, ففي ظل تذبذب سعر صرف الجنيه لم يعد يأمن الناس في وضع مدخراتهم تحت البلاطة, فبحثوا عن استثمار لها يعوضهم نقص قيمتها وكفايتها لشراء متطلباتهم وقت الحاجة... ومنها بالطبع شقق ليسكنوا فيها هم واولادهم, لقد زاد عدد سكان مصر, وزادت الحاجة للسكن, ومن الطبيعي أن يزيد عدد المباني المتاحة ليتلاءم مع زيادة الاحتياجات, غير أن عدد الوحدات الجديدة المبنية زاد كثيرا عن الزيادة في عدد السكان, الأمر الذي يدعو للاعتقاد بأن قسما من الوحدات العقارية لم يتم بناؤه لتلبية الطلب علي السكن, وإنما لتلبية احتياجات أخري, فبين عامي2006 و2017 زاد عدد سكان مصر بنسبة30.6%, فيما زاد عدد الوحدات التي تم بناؤها في نفس الفترة بنسبة53.9%, أي أن كل1% زيادة في عدد السكان قابلها176% زيادة في عدد المباني,وهذا ما يعززفرضية البناء من أجل الادخار من اجل استخدامها كوعاء للقيمة, ويبلغ إجمالي عدد هذه الوحدات الخالية بنوعيها السابقين ما يقرب من تسعة ملايين وحدة. ويؤكد التعداد السكاني تلك الحقيقة الصادمة أن جانبا من الأبنية التي تجري إقامتها في مصر لا يتم بناؤها من أجل الاستخدام, وإنما من أجل الادخار. فبيانات التعداد تشير إلي أن23.1% من الوحدات المبنية لم تتم حيازتها, والمقصود هو أن صاحب العقار قد قام ببنائه, ولكنه لم يعرضه للبيع أو الإيجار, أو أنه قام بطرحه في السوق دون أن يجد مشتريا أو مستأجرا,بل هناك مواطنون لديهم بعض المدخرات, فاشتروا عقارات لا يحتاجونها في الوقت الراهن, لدينا أيضا مواطنون آخرون لديهم أموال فائضة كثيرة, فبنوا عقارات ليس بنية بيعها أو تأجيرها فورا, ودون أن يصيبهم الانزعاج بسبب تجميد أموالهم وتعطيلها في شكل عقارات خالية, حتي إنهم يواصلون بناء المزيد من العقارات التي لن يستخدمها أحد في المستقبل القريب. سلوك الأفراد الذين يختارون التصرف بهذه الطريقة هو سلوك رشيد تماما من وجهة نظر مصلحتهم الشخصية, لكنه سلوك مدمر من وجهة نظر مصلحة الاقتصاد الوطني والمجتمع. فأي تجميد للثروات, بوضعها تحت البلاطة أو بتجميدها في شكل عقارات, يضع هذه الثروات خارج التداول مثلما حدث من قبل في فيلات الساحل الشمالي المعروفة, ويحرم المجتمع والاقتصاد الوطني منها, حدوث شيء مثل هذا في أي بلد يمثل إهدارا للموارد, أما أن يحدث هذا في بلد فقير يعاني شحا في الموارد, وتبذل فيه جهود خارقة, وتقدم إغراءات سخية لجذب رءوس أموال أجنبية, فإن الأمر يبدو خطيرا ويستدعي سرعة إيجاد حل لها. الحل بالطبع ليس في إلغاء قانون الإيجارات القديمة فلن يقدم ذلك حلا للمشكلة بل سيزيدها تعقيدا, بل في عملية التشجيع علي البناء من أجل الإيجار بأجرة شهرية معقولة لا مغالاة فيها وفق قانون الإيجارات الجديد, وأيضا بالتوسع في بناء الإسكان الاجتماعي علي ان يكون بالنظام التعاوني والذي لا يكلف خزانة الدولة شيئا,بل يتحمل المنتفعون تكلفة بناء وحداتهم بالتقسيط حتي تمام الانتهاء من البناء, وأيضا بفرض ضرائب اعلي علي الوحدات السكنيه الخالية, لتشجيع من يبني للتسقيع أو الادخار لحين الحاجة علي تأجيرها واعطاء عقد الايجار سندا تنفيذيا بتوثيقه بالشهر العقاري يتيح للمالك طرد المستأجر المتأخر في سداد الأجرة اسوة بالمتبع مع ايجار المفروش.