إن ملحمة حرب السادس من أكتوبر الخالدة كانت بمثابة النهوض بعد الانهيار, والقيام بعد التقاعس, والنشوة بعد الحسرة. وتجيء الذكري44 للحرب الملحمة في السادس من أكتوبر المجيدة لتؤكد علي قيم ومعان ودروس عظيمة, حققت هذا النصر المبين, الذي أعاد للوطن كرامته, وللعسكرية المصرية أمجادها ورفع هامات العرب, وصحح مسيرة التاريخ, وفتح الطريق لسلام عادل وشامل. وهذا الإنجاز الرائع الدي حققته قوات مصر المسلحة الباسلة, هو شهادة مجد لشعب مصر العظيم, الذي تحمل أعظم التضحيات وأغلاها, وهو يخوض معركة حياة ومصير في ظروف بالغة الصعوبة صونا للعرض وثأرا للكرامة. فرفض الشعب قبول الهزيمة والرضوخ للأمر الواقع والصمود لكل المحاولات التي استهدفت تكريس الاحتلال وتثبيط الهمم, ومقاومته بعناد دعاوي اليأس والهزيمة, التي حاولت كسر إرادته وإضعاف قدرته علي تحرير أرضه, كي لا يكون هناك بديل سوي الرضوخ والإذعان. وأثبت المصريون في تلك الحرب المجيدة قدرة فائقة علي الإمساك بزمام المبادأة فلأول مرة يقوم العرب بالهجوم ولا ينتظرون الرد علي الأفعال المتخذة ضدهم. وذلك فضلا عن حساباتهم الدقيقة في التخطيط, ودقتهم المتناهية في التنفيذ وبراعتهم في إيجاد حلول بسيطة لمشاكل مستعصية, لكن وجه الإعجاز الحقيقي كان في بسالة الرجال, الذين غمرتهم روح التضحية والفداء, وهم يقتحمون أصعب الموانع والمواقع واثقين من النصر المبين. وانتصار الجيش المصري هو صفحة خالدة من صفحات هذا الجيش التليد حيث يعد الجيش المصري أول وأقدم جيش نظامي في العالم تأسس قبل7000 سنة وكان ذلك بعد توحيد الملك نارمر لمصر نحو عام3200 ق.م. فقبل ذلك العام كان لكل إقليم من الأقاليم المصرية جيش خاص به يحميه, ولكن بعد حرب التوحيد المصرية أصبح لمصر جيش موحد تحت إمرة ملك مصر. وقد كان الجيش المصري أقوي جيش في العالم وبفضله أنشأ المصريون أول إمبراطورية في العالم وهي الإمبراطورية المصرية الممتدة من تركيا شمالا إلي الصومال جنوبا ومن العراق شرقا إلي ليبيا غربا, وقد كان ذلك هو العصر الذهبي للجيش المصري بحروبه الكبيرة. إن مبدأ تكوين الجيوش الكبيرة في مصر وجد منذ أن طرد أحمس نابليون مصر القديمة الهكسوس الرعاة وقد أثبت الجيش المصري أن قتال شعب منظم يتبع نظاما دقيقا من قواعد الحرب يختلف باختلاف الغارات التي يشنها الأعداء. فلما جاء عصر تحتمس الثالث كانت الخطط العسكرية الإستراتيجية قد بلغت حدا فائقا من الدرس. فنجده يقص علينا أنباء حملاته المتكررة بأسلوب عسكري ووصف دقيق احتوي كل التفصيلات الحربية. وكان ملك مصر يقود حملاته ضد أعداء بلاده بدلا من القواد الذين كانوا يخضعون قبائل الحدود الثائرة ويتسلمون قيادة الوحدات الكبيرة. ووجد الملوك أن الحرب فضيلة وفي دماء المعركة أسمي معاني التضحية, والنقوش علي جدران الهياكل الأثرية لتبين جليا اشتراك الملوك المصريين مع جنودهم إلي حيث قادهم المجد في ساحات القتال. وليس من باب المصادفة أن يعيد نصر أكتوبر بأيامه ولحظاته رسم حكاية إضافية في وجدان المصريين, وبحربه ضد الإرهاب والمؤامرات يعيد الجيش المصري النقاط التائهة بحكم الزمن علي حروفها ويثبت أن مصر ودولة مصر وشعب مصر بخير طالما الجيش المصري بخير.