أجمع العالم كله علي أنه لا يسمح بتقسيم سوريا, كما أجمعوا علي أنه لا يسمح بقضم شمالها وتسليمه للأكراد كجزء من دولة كردية مفترضة, هذا فضلا عن أنه لا يوجد جزء جغرافي سوري واحد يضم أكرادا كغالبية يمكن لها أن تتحكم ببقية مكونات المجتمع, ولا يشكلون في سوريا أكثر من10% من السكان بأحسن التقديرات والإحصائيات, إلا أنه ورغم هذا, مازال أكراد سوريا لا يرون أمام أعينهم سوي الاستقلال, وقرروا أن يدمروا الرابطة الوطنية الإنسانية الاجتماعية التي كانت تربطهم بكل السوريين, من أجل حلم قومي كردي لا يتناسب أساسا مع مفاهيم الدولة الحديثة والتعددية واندماج المجتمعات. في هذا السياق يأتي توقيت استفتاء استقلال إقليم كردستان العراق, ولا يشذ عن رفضه علي مستوي العالم إلا اثنان, إسرائيل وبعض المثقفين العرب, وهؤلاء من الانتيلجنتسيا التي تحولت في العالم العربي إلي رتبة الانفصال والمتبنية موقف ما بعد الحداثة المعادي للدولة الوطنية والداعم لحقوق الأقليات ومحاولة تطبيقه في مجتمعات زراعية لم ترتق بعد إلي مرحلة المجتمع الصناعي. هؤلاء المثقفون العرب يقدمون مقاربة رومانسية تبسيطية للحدث تعترف بحق الشعوب المظلومة في تقرير مصيرها مبنية بالأصل علي ما ساقه رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني من حجج لتبرير اختيار توقيت استفتائه, وهو يحاول الهروب إلي الأمام عبر تصدير أزمته الداخلية إلي المحيط الإقليمي; حيث يعيش برزاني علي المستوي السياسي أزمة داخلية في التحول إلي ديكتاتور مع وجود أحزاب كردية معارضة وذات وزن( حركة التغيير والاتحاد الوطني الكردستاني) أدت إلي انقلاب برزاني علي الشرعية وتمديده ولايته المنتهية منذ2015 وطرد رئيس البرلمان المنتمي لحركة التغيير ووزرائها في الحكومة ومنعهم من دخول أربيل, الأمر الذي عطل برلمان الإقليم والمؤسسات القانونية المنبثقة عنه, وعلي المستوي الاقتصادي يواجه الإقليم أزمة اقتصادية خانقة منذ العام2014 بعد انخفاض أسعار النفط وقيام بغداد بفرض إجراءات عقابية علي الإقليم نتيجة بناء الأخير خط أنابيب لتصدير النفط إلي تركيا بغية تحقيق الاستقلال الاقتصادي, كل هذا دفع برزاني لتكريس زعامته المطلقة لأكراد العالم عبر اللعب علي مشاعرهم ودغدغة أحلامهم بدولة قومية, وهذا انتقل إلي سوريا بشكل سريع. صالح مسلم, زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري, الذي يعتبر الجناح السوري لحزب العمال الكردستاي الكردي, والذي يمتلك ميليشيات عسكرية في سوريا مكونة من وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة, واللتين تشكلان معا قوات سوريا الديمقراطية الكردية, لعب هو الآخر علي نفي الوتر, ودغدغ أحلام أكراد سوريا, وقرر أن يكون لهم حكومة ذاتية, وبرلمان, ووزارة ووزراء, وأخيرا قرر أن يقوم بخطوات تكرس الفيدرالية وفق قوله, وعمليا تكرس الانفصال عن سوريا وفق الواقع. قامت قوات صالح مسلم العسكرية, والتي كان حتي أسابيع ماضية تتعاون تعاونا وثيقا مع قوات النظام السوري ومع إيران, وطورت علاقتها لتتعاون مع روسيا ثم تنقلب لتتعاون وتحظي بدعم روسي تريد الآن تكريس الانفصال, وقد نجحت في قسم الشارع السوري, بين عربي( يشكل90% علي الأقل من السوريين, وكردي( يشكل نحو10% منن السوريين, وخرب علاقة الشعب الواحد مقابل حلم قومي كردي لا توجد أي قناعة لدي أحد بإمكان نجاحه. يتحدث أكراد سوريا, والعراق طبعا, عن مظلومية تاريخية كردية, ويؤيدهم بذلك بعض المثقفين العرب, لتأييد الفيدرالية والاستقلال, لكن هؤلاء الأكراد أنفسهم لم يخجلوا أن يتحدثوا عن مظلومية عربية سنية, وهم يشهدون حجم الدمار والقتل والتشريد الذي حل بالعراقيين والسوريين, العرب والسنة, منذ الغزو الأمريكي للعراق, والغزو الإيراني- الروسي لسوريا, وصولا إلي حرب الإرهاب, والتي كان الأكراد بمنأي عن جحيمها ودمارها, ولم يخجلوا تحييد عامل المظلومية التاريخية في الوقت الذي يعيش فيه العرب في العراقوسوريا أسوأ أحوالهم. ضرب أكراد سورياوالعراق بعرض الحائط كل العلاقات الوطنية مع محيطهم الذي عاشوا به قرونا طويلة, وقرروا استغلال الظرف التاريخي- كما يسمونه- لرفع سقف المطالب, والتنصل من أي رابط وطني شدت عراه مئات السنين بين الأكراد والعرب في البلدين, ويحاول بعض الديكتاتوريين الأكراد الصغار الخروج من مآزقهم بدفع المنطقة إلي حرب قومية, سيدفع الأكراد البسطاء أكلافها, ومن هنا يمكن تفسير موقف إسرائيل المتناغم مع موقف الأكراد والنابع من رغبة إسرائيلية لإشعال فتيل حرب قومية في المنطقة تشغل منافسيها تركياوإيران وتستكمل تدمير ما تبقي من سورياوالعراق, ليبقي المشروع الإسرائيلي بمنأي عن أي مهدد أو منافس, وسيضع كل هذا الأكراد أمام احتمال مواجهة شاملة مع دول المنطقة وشعوبها, إن تم تصعيدها عسكريا, وستكون نتائجها كارثية علي الجميع, وإن تمت تسويتها علي مستوي القادة فستترك جرحا غائرا وشعورا بعدم الثقة اتجاه الأكراد لعشرات السنين.